بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 24 سبتمبر 2012

البساط الممزق : دولة سوريا اليوم


                                                عمار عبد الحميد

خلفية : 

تم ترتيب الرحلة بغرض مساعدة شركة أفلام أمريكية مستقلة تقوم بتوثيق الثورة السورية . ودعينا أنا وخولة ابراهيم كمستشارين ولاجراء لقاءات . ,وأثناء قيام فريق الفيلم باجراء جولات أتيحت لنا أنا وخولة مساحة كبيرة من الوقت وفرصة للالتقاء بنشطاء سوريين مهمين واجراء مقابلات . 
شملت الرحلة زيارات لأنقرة وأنتاكيا واسطنبول وأجرينا لقاءات مع ضباط في الجيش السوري الحر في أنطاكيا وكذلك قادة الثورة ونشطاء سياسيين من سوريا . وجاء الأخيرين لمقابلتنا بشكل خاص فخولة كانت شخصية معروفة لديهم لأنها كانت علي اتصال بهم طوال العام الماضي . 
والتقينا عدد من المراسلين الاجانب الذين يغطون الثورة السورية في أنطاليا ومسؤلين غربيين موجودين في أنقرة . وعند نهاية الزيارة  أصبحت تلك اللقاءات بمثابة فرصة طيبة لنشارك بانطباعاتنا عن الناس الذين التقينا بهم والتطورات الجارية . 

الانطباعات العامة 

الوقائع اليومية 

ارتفع متوسط الحصيلة اليومية  للقتلي في سوريا الي 200 شهيد معظمهم مدنيين بمن فيهم الاطفال . وتحصد المزابح في أماكن معينة خصوصا ضواحي دمشق حياة  50 من السكان المحليين بشكل روتيني .وفي الخامس والعشرين من اغسطس حصدت احدي المزابح الشنيعة التي ارتكبت في احدي ضواحي دمشق حياة 510 شخصا حسب اخر الاحصاءات وحتي تاريخ كتابة هذا التقرير لا يزال يتعثر سكان الضاحية في الجثث الجديدة في الأدوار السفلي من العمارات وفي الحقول .
عمليات الاعدام الفورية علي يد المليشيات المؤيدة للاسد التي تعمل في المناطق والضواحي التي تعاني من الاضطرابات تقع بشكل يومي وتبدو جزءا من عملية منظمة لاخضاع الثوار واحداث الوقيعة بينهم وبين السكان المحليين . ورغم توجيه بعض الدوائر المحلية اللوم الي الجيش السوري الحر وتكتيكاته من وقت لاخر الا أن هذه الخطة قد تأتي بنتائج عكسية . فمع زيادة المشاعر الطائفية ومع ظهور مزيد من الناس الناقمين علي ميليشيات النظام ومناصريه في المشهد ,هناك مزيد من كتائب الجيش الحر في طريقها الي التشكل ولكنها تنتظر المزيد من الاسلحة حتي يبدأوا في القيام بعمليات جادة . هذه الجماعات الجديدة ستصبح أكثر طائفية من ناحية طبيعتها وعقيدتها .
أصبح قصف المدن والبلدات بالطائرات المروحية والطائرات المقاتلة أمرا شائعا الان في جميع أنحاء سوريا . ولم يتم استهداف كل  المدن والبلدات الرئيسية ومنها حلب ودمشق . ولكن نظرا لتدفق  المزيد من الاسلحة المتقدمة في الفترة الأخيرة وان كان محدودا أصبح الثوار علي مستوي التحدي . فخلال الأسبوعين الماضيين تمكنوا من اسقاط العديد من الطائرات المروحية وطائرتان مروحيتان . والأهم من هذا كله هو الخطوة الاخيرة بالهجوم علي المطارات العسكرية والذي بدأ بمحافظة ادلب بالهجوم علي مطار أبو الزهور وتفتناز حيث تم تدمير بعض الطائرات . ومع ذلك لا يزال قصف المدن والبلدات في المناطق المضطربة مستمرا . وفي الوقت نفسه، لا تزال صواريخ ستينغر و نظم الدفاع الجوي المحمولة التي كانت قد أرسلت إلى المتمردين مكدسة في المستودعات التي تسيطر عليها السلطات التركية..

حالة المعارضة في الداخل 

منذ شهور مضت كانت جماعات الثوار تعتمد علي نفسها في تدبير الاسلحو والامدادات . الموقف تغير منذ ستة شهور مع انشاء غرفة عمليات خاصة تركية قطرية سعودية  تشرف علي الاسلحة التي تتدفق علي الثوار . ومع ذلك وخلال الاسابيع القليلة الأخيرة تغير الموقف مرة اخري . حيث أدي النزاع الذي ورد بين المسؤلين القطريين والسعوديين الي وضع نهاية للتعاون الثلاثي حيث تعمل قطر والسعودية بشكل منفرد وان ظل تحت اشراف تركيا . . تفاصيل الخلاف غير واضحة ويبدو أن الاخوان المسلمين ودورهم يقع في صلب هذا الخلاف . ومهمة غرف التحكم الأساسية هي الاشراف علي توزيع الاسلحة والامدادات . ونظرا للدعم الذي يلقاه الاخوان المسلمين من قطر وتركيا يفضل الاخوان المسلمين السيطرة علي العملية برمتها مما سيؤدي الي عدم حصول بعض الجماعات علي الدعم بما فيها أكبرو أكثر الوحدات المقاتلة فعالية  علي الأرض ولكنها ستمنح الاخوان المسلمين القدرة علي التحكم في العمليات العسكرية لتتطابق مع قدرتها علي استغلال العملية السياسية علي مشهد المعارضة في الخارج . . وحتي تاريخه لا توافق الجماعات الثورية الكبري علي اتباع أجندة اسلامية صارمة  بغض النظر من سيتولي الادارة سواء الجماعات السلفية او الاخوان المسلمين . هذه الجماعات تعتمد بشكل كامل علي الدعم القادم من غرفة العمليات وعلي ما يتمكنوا من توفيره من داخل سوريا . سيطرة الاخوان المسلمين اما أن تقضي عليهم أو تدفعهم الي الدخول في تحالف هش لن يبقي طويلا وسيزيد من العداء المشترك . وفي محاولة لاسترضاء جميع الاطراف تبدو السلطات التركية عازمة علي السماح لكل طرف بادارة شبكة الامدادات الخاصة به . ولذلك ستواصل السعودية دعم غرفتها وقطر ستدعم الاخوان المسلمين والسلفيين سيحصلون علي الدعم من كلا الطرفين بينما يواصلون الاحتفاظ بداعميهم المستقلين من جميع انحاء العالم . . ومع ذلك لا تزال غرفة العمليات الرئيسية هي  الغرفة التي تلقي دعما من السعودية . 

الطريقة التي كانت تدار بها العمليات في البداية تبين أن الخبراء العسكريين والمخابراتيين الاتراك والسعوديين والقطريين لم يشاركوا في تقديم المشورة في العمليات . وتشير التطورات الاخيرة علي الأرض  أن هذا يتغير الان رغم أنه لم يتضح بعد من يقدم المشورة . ومع ذلك لا يزال هناك كثير من الارتجال في عملية اتخاز الثوار للقرارات . ففي الفترة الأخيرة عقب استيلاء الثوار علي قاعدة صواريخ قرب دمشق قام أحد المنتمين لغرفة العمليات القديمة بتشجيع الثوار علي الادعاء أن بعض الصواريخ كانت تحوي رؤسا كيماوية علي أمل أن يظهروا للامريكيين أن الخط الاحمر الذي وضعوه تم تحديه . وبالطبع كان هذا الادعاء سخيفا . وأصدر الجيش السوري الحر بيانا يكذب فيه هذا الادعاء . لكن الضرر قد وقع . ولا يزال المعارضة تعاني من نقص مشورة الخبراء في كل جهد يبزلونه .

يكتسب قادة جماعات الثوار المحليين سمات وخصائص أمراء الحرب بشكل سريع علي الرغم من نواياهم . فالعجز الدولي هو المحرك الأساسي لروح الانحطاط التي ستدفع بالثوار الي التحول الي أمراء حروب وهو ما يظهر في عدم الثقة في جماعات المعارضة الموجودة وتنامي الانشقاق بداخلهم . وخلال لقاءاتي المتفرقة كان قادة الثوار المختلفين يعبرون عن نفس الفكرة : لن نتخلي عن أسلحتنا وسنواصل حياتنا العادية الا اذا تسلمت حكومة منتخبة ديمقراطيا نثق بها مقاليد الأمور . ويشددون علي مسألة الثقة التي تظل منقوصة . الكثير منهم تركوا لدينا انطباعا أنهم يتوقعون أن يشاركوا في الحكم في المستقبل حتي ولو علي المستوي المحلي . وليس عجيبا ولا غير مشروع أن يتولد لدي هؤلاء هذه الطموحات ولكن في غياب عملية سياسية تضم هذه الشخصيات فان هذه الطموحات والتوقعات ستمهد الطريق لحدوث مواجهات وصراعات داخلية في النهاية .وهناك مؤشرات علي ذلك  بدأت تظهر علي الأرض  بالفعل .

أصبح الخلاف بين الجماعات الاسلامية التي تنادي علنا أو سرا باقامة دولة اسلامية وجماعات الثوار الأخري الذين يمثلون أغلبية الثوار الذين لا يزالون متمسكين بمفهوم الدولة المدنية الأكثر شمولية الان أكبر من أي وقت مضي  حيث يتنافس الجانبات صراحة علي الاستحواز والسيطرة علي الدعم اللوجيستي الهزيل الذي يأتي عن طريق الحدود التركية أو العراقية وأحيانا اللبنانية والاردنية . ومع ذلك كانت ترد أنباء عن عمليات خطف للامدادات موجهة لجماعات أخري . وماذالت المنافسة بين الجماعات في غالبيتها ذات طبيعة سلمية ومقصورة علي المكائد خلف الابواب المغلقة . وهناك احتمال ألا يدوم ذلك  طويلا في ظل وجود جماعات تواصل التنافس علي الامدادات والمناطق والمجد وجماعات أخري تنسب لنفسها نفس العمليات .

وتتجلي المنافسة أيضا في محاولات خطف مبادرات أطلقتها أطراف اخري في المعارضة أو المجتمع الدولي ككل . أحدث مثال علي ذلك هو مصير السفينة الليبية بنغازي الخير التي تحمل امدادات بشرية تقدر بملايين الدولارات لتوزيعها علي مناطق الثوار . وورد أن الاخوان المسلمين سعوا الي الاستيلاء علي الشحنة بكاملها ولكن رئيس الوفد الليبي رفض التعاون معهم وطالب حكومته بالتدخل مع السلطات التركية . وبعد أن ظلت عالقة لاسابيع في المياه الاقليمية تم حل الخلاف في أوائل شهر سبتمر وأخيرا تم الافراج عن الامدادات واعادتها الي الليبيين الذين سمح لهم بالاشراف علي عملية التوزيع بانفسهم .

تمكنت جماعات الاخوان المسلمين والسلفيين من السيطرة علي التغطية الاعلامية للثورة السورية في أغلب القنوات الاعلامية العربية من خلال المتعاطفين معهم ممن يعملون في تلك القنوات ومن خلال القنوات الاقل حجما والتي تديرها المعارضة . واستخدموا أيضا احتياطات مالية أكبر للسيطرة علي أغلب الفرق الاعلامية التي تعمل داخل سوريا بغض النظر عن الايدولوجيات الحقيقية للاعضاء المؤسسين . وقد سمح هذا أن تظهر تلك الجماعات اكثر تأثيرا ونفوزا علي العمليات علي الأرض اكثر بكثير من حجمها الحقيقي  علي الاقل في هذه المرحلة . والحقيقة هي أن الجماعات  الاسلامية وخصوصا المنتمين للاخوان المسلمين لا يزالوا هم الاصغر حجما في المشهد الثوري  وان كانوا أكثر تنظيما . ويبدو أن الاسلاميين هم المستفيدين الحقيقيين من جر رجل المجتمع الدولي للتدخل في سوريا .

لم يغب عن أنظار قادة الثوار احتمالية نشوء امراء للحرب مما يجعلهم في سعي دائم نحو مزيد من التماسك والتنسيق .فالتطورات الاخيرة كانت شديدة الأثر بشكل خاص . ففي ادلب ومناطق اخري في حمص وحماة وحلب اجتمعت غالبية الجماعات المقاتلة تحت راية كتائب ووحدات شهداء سوريا  بصرف النظر عن ايديولوجياتها .الشخصية الرئيسية التي كانت وراء هذا التطور هو عكا ابو خالد وهو رجل متدين ومتزوج من ثلاثة نساء فتعدد الزوجات شائع في المناطق الريفية في كل انحاء سوريا . أبو خالد يتمسك بالقيم التقليدية التي هي خليط من الاسلام والاعراف الريفية بدون ايدولوجية سياسية . ونظرا لغياب أي بنية عملياتية أو سياسية أو قضائية في منطقته في جبل الزاوية فهو يعتمد كما ورد الينا علي الشريعة ولكنه ماذال يرغب في ترك تلك الامور تقررها حكومة محلية عندما يتم انشاءها .أبو خالد لا يطالب بانشاء دولة اسلامية ويشعر بالقلق من الجماعات السلفية ويكره الاخوان المسلمين ولكن في الشئون الخاصة بالعمليات يتعاون مع الجميع . تحتوي كتائب شهداء سوريا حاليا علي 450000 مقاتل ولكن ليس كل جماعات الثوار ترغب في الانضمام لكتائب شهداء سوريا فالكثير منها وخصوصا زوي الميول الاسلامية مثل الفاروق وفاروق الشمال اختارت أن تجتمع تحت راية ائتلاف مختلف أصطلح علي تسميته مؤقتا الجبهة الاسلامية لتحرير سوريا بقيادة أحمد أبو عيسي المنافس لأبو خالد في جبل الزاوية والذي تردد أنه يعتمد علي الشريعة لحل النزاعات ولكنه ينوي ترك هذه الامور تقررها الحكومة لو تشكلت حكومة محلية .وأبو خالد ليس من المطالبين باقامة دولة اسلامية ويشعر بالقلق من الجماعات السلفية ويكره الاخوان المسلمين .لكنه يتعاون مع الجميع في شؤن العمليات العسكرية . وتضم كتائب شهداء سوريا في الوقت الحالي حوالي 45000 مقاتل . وليس كل جماعات الثوار ترغب في الانضمام الي كتائب شهداء سوريا فالكثير منها خصوصا ذات الميول الاسلامية مثل الفاروق وفاروق الشام اختاروا التجمع تحت ائتلاف مختلف أطلق عليه مؤقتا الجبهة الاسلامية لتحرير سوريا بقيادة أحمد أبو عيسي منافس أبو خالد في جبل الزاوية . وحتي وقت قريب كان أبو عيسي يقود كتائب صقور الشام التي تقوم بأغلب عملياتها في جبل الزاوية .وفي أثناء الفترة التي تم فيها الاعلان عن الائتلاف في 10 سبتمبر تحول الائتلاف الي جبهة تحرير سوريا . وانضمت اليها كتائب الفاروق (حمص و حماة ) وجماعة انصار الاسلام ( دمشق والضواحي ) والمجلس الثوري لدير الزور في 3 سبتمبر وأعلنت جماعة من ضباط الجيش السوري الحر عن تشكيل الجيش السوري الوطني في مدينة أنطاكيا التركية كبديل للجيش السوري الحر علي أمل توحيد كل الجماعات. ووردت تقارير أولية أن مجموعات الثوار في درعا ومجموعات قليلة في اللازقية ودمشق هرعت للانضمام اليه . ويزعم البعض أيضا أن لواء التوحيد الذي يعمل في مدينة حلب والمناطق الريفية في الشمال انضموا أيضا الي الجيش السوري الوطني . ولكن هناك بعض الضباط في أنطاكيا يقولون أن هذه التقارير ليست دقيقة وأنه في هذه المرحلة لم تؤكدا أي جماعة استعدادها رسميا الانضمام للمجلس العسكري الثوري في حلب وهو الجبهة المحلية التي كما يتضح من جناحها السياسي يطلق عليها الاخوان المسلمين المجلس الانتقالي المؤقت الذي يضم شخصيات من أمثال حمزة رمضان وغسان النجار  . ويقول الضباط أن الهدف الرئيسي من الجيش السوري الوطني هو توفير بنية القيادة للمستقبل وأنه في هذه المرحلة ولأغراض عملياتية ستكون عملية اتخاز القرارات من شأن قادة الثوار الموجودين علي الارض . ويبدو أن المقصود من هذه الخطوة الانقلاب علي قادة الجيش السوري الحر في أنطاكيا أكثر منها خطوة حقيقية لتوحيد الجيش .وبمعني اخر الجيش السوري الوطني ما هو الا علامة تجارية اخري تبحث عن المستثمرين والزبائن لا اكثر ولا أقل . الجيش الوطني السوري يقوده العميد محمد حسين الحاج علي من درعا .وهناك جماعة رئيسية اخري تقوم بعمليات في سوريا تسمي لواء الفاروق يديدرها شاب انشق عن الجيش السوري يسمي عبد الرزاق طلاس الذي يتلقي توجيهات من وراء الستار من الشيخ السلفي أمجد بيطار . وانضم لواء الفاروق الي جبهة تحرير سوريا التي أعلن عنها مؤخرا . أما بالنسبة لألوية التوحيد فتوجهها السلفي معروف للجميع أما تمويلهم فيأتي من الاخوان المسلمين والمتعاطفين معهم في الخليج . ويقودها أربعة رجال هم عبد العزيز سلامة وعكا حاج عدنان نسبة الي موطنه الاصلي في شمال محافظة حلب وزوي التوجه السلفي الاكثر تشددا عبد  القادر صالح وعكا حاج مرعي أيضا نسبة الي موطنه الاصلي في شمال محافظة حلب . وهناك قادة اخرين للواء التوحيد تشمل حاج طال رفعت وعكا أبو توفيق وحاج عزاز وعكا عمار الداديخي ( سنتطرق الي عكا عمار فيما بعد ) . وفي دير الزور ودرعا ودمشق والساحل لا يزال الثوار يقومون بعمليات في وحدات صغيرة لوجود أسباب تجعلها غير قادرة علي التجمع في جماعات أكبر بالرغم من أن جماعة أنصار الاسلام المرتبطة بالاخوان المسلمين ليست هي الجماعة الأكبر بين الجماعات الأخري . ويبدو علي الارض أن هناك اختلافات اقليمية وايدولوجية في ظل وجود شخصيات لأشخاص معينين يلعبون دورا رئيسيا في تشكيل المشهد .كل المحاولات الجارية في هذه المرحلة من أجل التوحد علي أمل تجنب نشأة أمراء الحرب تساهم في هذه الظاهرة عن طريق تركيز السلطة في أيدي جماعات قليلة محددة .

كان قادة جماعات الثوار الأكبر حجما قادرة علي توفير قدر من الأمن في المناطق التي يسيطرون عليها ولكنهم فشلوا حتي الان في توفير هياكل صارمة لادارة تلك المناطق , عدا عن الدعم الرمزي الذي بدأه النشطاء المدنيين لضمان توفر الخدمات . وفي نفس الوقت وكما ذكرنا أعلاه حتي القادة الغير اسلاميين يميلون الي التراجع عن جعل الشريعة المصدر الرئيسي للقانون عند التعامل مع المخبرين المحليين ومثيري المشاكل والأسري نظرا لعدم الالمام بالقانون المدني وعدم القدرة علي تجنيد  قضاة محليين .

الفجوة التي  تفصل بين الاسلاميين وغير الاسلاميين ليست الوحيدة التي تتسع . الفجوة بين المنشقين وقادة جماعات الثوار المدنيين المحليين تتزايد باستمرار . فنظرا لأن أغلب المنشقين من زوي المناصب العالية اختاروا تأمين مخيمات الاجئين في تركيا ونظرا لأن معظمهم لم يقدم الا القليل من الدعم اللوجيستي لمجتمعاتهم فان تأثيرهم في مجريات الاحداث علي الارض يظل محدودا وصار هناك تشكيك في صورتهم وشرعيتهم . ويواصل القادة المدنيين عدم الثقة في ضباط الجيش وغالبا لا يصغون الي نصائحهم حتي في العمليات العسكرية . وبعض قادة الثوار لديهم قليل من هؤلاء الضباط تحت قيادتهم ويرغبون في عودة الضباط من أنطاكيا في تركيا الي سوريا والانضمام الي جماعاتهم كمستشارين . لكن جزءا كبيرا من ضباط الجيش لديهم قدر قليل من التقدير للخبرات الميدانية التي اكتسبها القادة المدنيين ولا قبلون أن يشرف عليهم قادة مدنيين . في حال وجود هيكل قيادة جديد يجب أن يضم شخصيات من كلا الجانبين ويعمل بالتنسيق مع النشطاء السياسيين ونخبة من شخصيات المعارضة المستقرة لكي يكتسب أي شرعية أو أهمية .

 *الجيش السوري الحر :  في أنطاكيا برز العميد الجنرال مصطفي الشيخ ,وأصله من بلدة الرسن محافظة حمص ,كشخصية محورية لقادة الثوار . العقيد رياض الأسعد تحول بسرعة الي شخص عديم الأهمية ولا يحوز ثقة حتي أبناء بلدته في محافظة ادلب . وبرز العقيد عبد الجبار القعيدي من حلب كشخصية تحظي بثقة قادة الثوار . وكلا من الشيخ والقعيدي لديهم ميل للعلمانية ويقومون بزيارات من وقت لاخر في المدن داخل سوريا وهو أسلوب مقصود منه تعزيز الثقة فيهم . العقيد قاسم سعد الدين هو أيضا من مدينة الرستن برز أيضا كشخصية محورية بشكل رئيسي لأنه بقي متمركزا في الرستن ويشرف علي دفاعاته بشكل مباشر . ونادرا ما يغادر المدينة ولكن وردت أنباء أنه أجري زيارة لأنطاكيا واسطنبول في أوائل شهر سبتمبر . وبتشكيل الجيش الوطني السوري برز العميد الجنرال محمد حسين الحاج علي كشخصية مؤثرة ,لكن هذا يعتمد في النهاية علي كيف يتمكن الجيش الوطني السوري في فرض نفسه علي الارض . وبالاضافة لهؤلاء الرجال هناك قلة من كبار الضباط الذين انشقوا خلال الشهور القليلة الماضية والذين يواصلون الابتعاد عن الاضواء . بعضهم يتلقي تعليمات من الاتراك وفي بعض الأحيان من مسؤلين أمنيين غربيين , ولكن تظل نواياهم وخططهم غير واضحة .

المجلس الوطني السوري :  المجلس الوطني السوري ليس له أهمية علي الارض . لم يشعر أحد بالاندهاش من النقد الذي وجهته وزيرة الخارجية الامريكية مؤخرا لقادة هذا المجلس ولكن رغم المشاكل التي يعاني منها لا يرغب قادة الثوار الموجودين علي الارض الغاءه حتي يتم التوافق علي البديل . أو بمعني اخر يمثل المجلس الوطني الحر وكيلا عنهم لا اكثر ولا أقل .ويواصل الاخوان المسلمين وخلفهم السلطات التركية دعم المجلس الوطني السوري ووردت أخبار مؤخرا أنهم يحاولون اعادة هيكلته في الاسابيع القليلة القادمة . وقد اضطرت بالفعل احدي عضوات المجلس بسمة كودماني الي تقديم استقالتها مما قضي علي الوجود الوحيد للعنصر النسائي علي هذا المستوي وأضعف من تمثيل العنصر العلماني . ويواصل الاخوان المسلمين بالفعل عن البديل . ويسعي القائد السابق للمجلس الوطني السوري الاستاذ في جامعة السوربون برهان غليون للعودة ولكن يقال أن  القائد الحالي عبد الباسط صيدا متمسك بمنصبه أيضا . البعض يراه شخصية تسعي الي توحيد العرب والاكراد والتقريب بين العناصر الاسلامية والعلمانية أكثر من غليون . وأسلوبه في القيادة أقل خشونة وأكثر تواضعا من غليون ويبدو أكثر التزاما بالقيادة عن طريق التوافق . ويري البعض أن الابقاء علي صيدا وعدم استبداله هو ما يحتاجه المجلس في المرحلة الحالية بالاضافة الي الاتفاق علي برنامج للعمل . ومع ذلك يحبس البعض أنفاسهم عند الحديث عن امكانية أن يصبح المجلس الوطني السوري قادرا علي الحياة . وعلي الجانب الاخر يخطط قادة المجلس الوطني السوري لتشكيل حكومة انتقالية ردا علي طلب من فرنسا التي وعدت بالاعتراف بهذه الحكومة حينما يتم تشكيلها . لم يوضح الفرنسيين معاييرهم للاعتراف بتلك الحكومة . وهناك أيضا جهود اخري جارية لتشكيل حكومة انتقالية .

هيئة التنسيق الوطني : تشكلت داخل سوريا علي يد شخصيات المعارضة التقليدية من اليساريين العلمانيين . هذا الائتلاف المعارض رغم النوايا الطيبة لأغلب مؤسسيه لم يفلح الا في غرض واحد حتي الان وهو اظهار مدي انقطاع جماعات المعارضة التقليدية عن الشارع . منذ بداية الثورة لم يفعل مؤسسي هيئة التنسيق الوطني الا الدعوة لحوار مستحيل مع نظام حقير متجاهلين طبيعته وتاريخه وأساليبه . ونظرا لولعهم بالاحتفاظ بمكانة اخلاقية عالية ظل قادة هيئة التنسيق الوطني يدافعون عن المواقف الاخلاقية ويقترحون حلولا عقلانية منقطعة عن الواقع الموجودين في محيطه . يقولون أقوالا ويأتون بأفعال تجعلهم يبدون قديسين من وجهة نظرهم ويراهم الناس شخصيات كاريكاتورية مثير للاشمئزاز . فعلوا كل ما في وسعهم ليحصروا نفسهم علي الهامش ليصبحوا غير زوي أهمية .ورغم أن أغلب أعضائها يسكنون داخل سوريا فقد أثبتوا أنهم ليسوا أقل عزلة عن الشعب من منافسيهم في المجلس الوطني السوري . الاختلاف الوحيد الواضح بين الجماعتين هو أن المجلس الوطني السوري يحاول أن يخدم الشعب ولكنه يفشل بينما تحاول هيئة التنيق السوري غالبا أن تخدم نفسها وتفشل . تحولت جهودهما للتواصل مع العالم الي مجرد وكلاء في يد القوي المختلفة : تركيا والسعودية وقطر في أغلب الاحيان في حالة المجلس الوطني السوري وروسيا وايران في حالة هيئة التنسيق الوطني . ويقال أن هيئة التنسيق الوطني تخطط لعقد مؤتمر للمعارضة سيعقد في دمشق قبل نهاية شهر سبتمبر ولكن وكما هو الحال مع المجلس الوطني السوري واعادة هيكلتها المزمعة القليلين يحبسون أنفاسهم .

الاسلاميين : الاخوان المسلمين : تقوم الجماعات المنتمية الي السلفيين والاخوان المسلمين داخل سوريا وفي المنفي بتنفيذ أنشطتهم بحماس وايمان متوقع من أشخاص يؤمنون أنه قد حانت أخيرا اللحظة المواتية لهم . ومنذ بداية الثورة واستفادتهم من علاقتهم الطيبة مع السلطات التركية كان الاخوان المسلمين منشغلين بانفاق الاموال والابتزاز والخداع لتشق ليصبح لها شأن في الثورة . وفي عدة جوانب بدا أن الدروس التي استخلصها الاخوان المسلمين من التاريخ هي تقليد أساليب حافظ الأسد في السيطرة علي المشهد السياسي في البلاد . هذه الاساليب تشمل : اختراق كل الحركات الثورية والسياسية والسيطرة علي كل مبادرة انسانية أو مدنية وقدرتها علي الوصول الي وسائل الاعلام  . فلا عجب اذن أن يذكرنا المجلس الوطني السوري بالجبهة الوطنية التقدمية التي أنشأها حافظ الاسد وحافظ عليها بشار واعتاد أن يحكم سوريا رسميا بينما يدعي كزبا التزامه بالتعددية السياسية والانفتاح السياسي بينما كان حزب البعث وقبيلة الأسد يتلاعبون بعملية صنع القرارات . ويوجد في الاخوان المسلمين الكثيرين من زوي الاتجاهات السلفية في قاعدتها الأكبر . لذلك فهي تحاول عن طريق استرضاء السلفيين أن تصبح مظلة لأغلب الجماعات الاسلامية في سوريا . وبالطبع يوفر الاخوان المسلمين الدعم لكثير من جماعات الثوار زوي التوجهات السلفية بمن فيهم التوحيد (حلب) والفاروق ( حمص وحماة ) وأنصار الاسلام (دمشق) ولكن هذا لا يترجم بالضرورة الي الولاء السياسي علي الأقل علي المدي الطويل . والحقيقة في هذه المرحلة من الصعب تحديد من يتلاعب بمن في التفاعلات الجارية بين الاخوان والسلفيين .وعلي الجانب الاخر لم تتعطف جماعة الاخوان المسلمين لتمنح المساعدات للجماعات التي ترفض اعتناق الأجندة الاسلامية رغم انضوائها تحت راية المجلس الوطني السوري . وهذا يبدد أي مزاعم أن الاخوان سيحترمون التزامهم باقامة دولة مدنية . والحقيقة أن رغم كل التصريحات العلنية للاخوان بالتزامهم بالدولة المدنية بدأ يبرز التزام الاخوان المسلمين في سوريا باقامة دولة اسلامية أكثر من  أي فرع من فروع الاخوان في المنطقة . وعلاوة علي ذلك وبالاضافة الي كونهم لا يلقون قبولا من أغلب الأطراف علي الارض تعطلت خطط الاخوان بسبب الانشقاقات الداخلية علي مستوي المناطق ( خصوصا بين جماعات حلب وحماة ) وعلي المستوي الايديولوجي ( أتباع سيد قطب والسلفيين ) وبين الاجيال المختلفة داخل الجماعة . والحقيقة أن صعود جيل الشباب داخل الاخوان المسلمين بدأوا يعبرون عن استيائهم من حيل الحرس القديم داخل الاخوان ومن حيلهم الخفية وانعدام الشفافية في عملية اتخاز القرارات .

الاسلاميين : الجماعات السلفية : لا عجب أن قادة الثوار أظهروا درجة كبيرة من عدم الثقة في الاخوان وأجندتهم ويفضلون التعامل مع الجماعات السلفية . فبالرغم من كل دعوات السلفيين باقامة دولة اسلامية يبدون أكثر تقبلا لفكرة أن أقصي ما يمكن أن يحصلوا عليه في هذه المرحلة هو انشاء مناطق سلفية  بمعني اقامة مناطق انتخابية خاصة بالسلفيين . وربما تقبل الجماعات السلفية تلقي التمويل من الاخوان لكن التزامها بالاجندة الاخوانية وكما ذكرت من قبل غير واضحة علي أقل تقدير . وقد برز قادة الجماعات السلفية من بين جموع الشعب ولم تأتي من أوساط السوريين في  الخارج لذا فهم يشعرون بأن لهم جزور في المجتمعات المحلية وأنهم أكثر تناغما مع واقع وطموحات المجتمع المحلي . وقد يكون السلفيين كانوا قد استلهموا أفكارهم في البداية من دول الخليج الا أن الافكار لا تعترف بالحدود وقد أصبحوا منذ فترة طويلة ظاهرة محلية تمثل رغبات وطموحات سكان المناطق والمدن في كل انحاء سوريا .

 *الأقليات الدينية : بالنسبة للحديث عن الاتجاه المناهض للثورة في أوساط العلويين والمسيحيين هناك الكثير من العلويين والمسيحيين المشاركين في الثورة كنشطاء سياسيين وكثوار . ويعتبر توجههم الأساسي للعمل مع مختلف الجماعات السياسية والثورية مؤشرا علي التحالفات المستقبلية وطبيعة التحركات علي الارض . معظم العلويين والمسيحيين يقاتلون في وحدات أصغر لها ميول علمانية مثل الوحدة 111 ومقرها مدينة بداما بمحافظة ادلب . ولكن حينما يتعلق الأمر بالاختيار بين العمل مع الجماعات المنتمية للاخوان المسلمين والجماعات  السلفية يفضل أغلب العلويين والمسيحيين العمل مع الاخوان المسلمين. فهم علي دراية أكثر بالاخوان المسلمين ولأن الاخوان المسلمين يتبعون نفس أساليب الأسد فهي تمثل بالنسبة لهم نمطا سياسيا مألوفا بالنسبة لهم :نمطا يقوم علي الصفقات السرية والتلاعب بالمشهد السياسي . وبالمقارنة بالاخوان تبدو الجماعات السلفية أكثر غرابة وتهديدا لهم . فهم يطالبون صراحة باقامة الدولة الاسلامية ويسعون بتطبيق الشريعة الاسلامية في المناطق التي يسيطرون عليها مثل حظر استهلاك الكحوليات . ومع ذلك وكما زكرنا أعلاه السلفيين لهم وجود ونفوز علي الارض أكبر من الاخوان المسلمين . وأي تسويات أو اتفاقات دائمة لابد وأن يكون لهم نصيب فيها . لا يمكن استبعادهم عن العملية السياسية مهما كانت الصعوبات التي ستنطوي عليها مشاركتهم . بالنسبة للدروز فهم يتركزون في منطقة جغرافية محددة في محافظة السويدي في جنوب سوريا فقد تبنوا موقفا محايدا . وهناك كثير من الضباط الدروز شاركوا في عمليات القمع ولكن حدث تغير في تفكير الثوار بسبب مشاركة الكثير من النشطاء السياسيين الدروز في الثورة . لكن التوترات بين السكان الدروز في محافظة السويدية والأغلبية السنية في درعا تتزايد وتنخفض وفقا لتطور الأحداث علي الارض . وتتعرض تجمعات الدروز في ضواحي دمشق لضغوط شديدة من المليشيات المناصرة للاسد ونشطاء المناصرين للثورة لتتخذ موقفا ثابتا من كلا المعسكرين . وتوفر القري الدرزية القليلة في محافظة ادلب ملجأ للاجئين السوريين من المناطق التابعة للثوار . أبناء الطائفة الاسماعيلية البالغ عددهم أقل من 150000 أظهروا تعاطفا أكبر مع الثوار منذ بداية الثورة وقاموا بتنظيم عدة مسيرات مناهضة للاسد في بلدة السلمية . لكنهم في الحقيقة محاصرين بالقري الموالية للاسد من المسيحيين والعلويين ويبدوا أن مشاركتهم لن تزيد عن ذلك .

 *المقاتلين الأجانب : أغلبهم من دول الخليج وليبيا وتونس والشيشان والصومال والسودان ويبلغ عددهم حوالي 3500 ويقومون بالعمليات من خلال قواعدهم العسكرية الخاصة بهم في شمال ووسط سوريا . ومن خلال عملهم مع عدد مماثل من المتطوعين السوريين يبدو بوضوح في بعض الحالات  انتماؤهم لجماعة القاعدة وغيرها من جماعات الجهاد الاسلامي بالرغم من أن دور جبهة النصرة في هذا غير واضحة . وهناك مقاتلين أجانب يشاركون في العمليات بدافع القومية العربية أكثر منها بدافع الأجندة الجهادية . وحسب نشطاء موجودين في أنطاكيا هناك بعض الأفراد من أعضاء الاخوان المسلمين متورطين في تهريب العناصر الجهادية داخل سوريا .  ورغم شعور بعض قادة الثوار في سوريا بالقلق من وجودهم الا أنهم ينسقون بعض العمليات معهم . وقد تورطت تلك الجماعات بالفعل في عمليات اختطاف للرهائن وتعزيب السجناء وقطع أطرافهم خصوصا السجناء العلويين . ومع ذلك ينحصر حديثنا علي حفنة من الحالات في هذه المرحلة ولكن هذا يعد مؤشر خطير .

*اتسمت العلاقة بين جماعات الثوار وخلايا القاعدة هي في الغالب بوجود خلافات . ففي شهر أبريل  2012 قتلت وحدات من الجيش السوري الحر وليد البستاني , المواطن اللبناني وعضو حركة فتح الاسلام وهي خلية جهادية مرتبطة بالقاعدة , بسبب اعلانه عن قيام امارة اسلامية في مدينة الحسن بالقرب من الحدود اللبنانية . ومؤخرا أدي حدوث مناوشات بين احدي وحدات الجيش السوري الحر المسماة فاروق الشمال واحدي خلايا القاعدة بالقرب من معبر باب السلام الحدودي الذي يربط حلب بتركيا  الي مقتل العديد من الجهاديين ومن ضمنهم قائد الخلية أبو محمد الشامي العبسي . أبو محمد سوري من محافظة ادلب وعائلته توعدت بالانتقام له لكن هذا راجع للولاء القبلي أكثر منه تعاطفا أيدولوجيا . وهذا البعد القبلي هو ما يجعل التعامل مع أعضاء القاعدة السوريين له هذا القدر من الحساسية . وليس من الواضح سبب ترك الأتراك لخلايا القاعدة بالقرب من حدودها حيث يتدفق سيل المقاتلين الاجانب من خلالها . ولكن حتي هذه اللحظة لا يوجد خطر من تواجدهم هناك .

*أما بخصوص المقاتلين الاجانب المقدر عددهم 3500 فيقال أن حوالي 1300 منهم من الليبيين أغلبهم يقومون بعمليات في شمال سوريا في محافظة اللازقية . وخلافا لكل التوقعات وبغض النظر عن التدين الشخصي معظم هؤلاء المقاتلين يشاركون الثورة بدافع من مشاعرهم الوطنية والأفكار الرومانسية أكثر منها دوافع اسلامية . ويقدر عدد المنتمن الي القاعدة والمتعاطفين معها بين السوريين بالمحدود . وعلاوة علي ذلك يبدو أن الليبيين تفاجأوا من تشتت المعارضة السورية ويحاولون أن يتجاوزوا هذه الخلافات . لكن علاقة العناصرالأكثر اعتدالا مع الجماعات المدعومة من الاخوان المسلمين تعاني من التوتر بشكل متزايد نظرا لمحاولة الاخوان المسلمين السيطرة علي أنشطتهم واحتكار المساعدات التي يحاولون تقديمها .

*بالرغم من أنهم لا يزالوا أقلية ضئيلة الا أنه هناك عدد متزايد من الافراد يعمل باسم الجيش السوري الحر متورطين في أنشطة التربح والتي تشمل ابتزاز رجال الاعمال واساءة استخدام الأموال الممنوحة لدعم للثورة  والاتجار بالاسلحة والامدادات الطبية المقدمة مجانا من جماعات الدعم . بعض من هذه الشخصيات معروفة أيضا ببيع الامدادات التي يتسلمونها دون مقابل من غرفة العمليات . وفي بعض الحالات كانت تباع هذه الامدادات الي المليشيات التابعة للأسد . التعامل مع هذه الشخصيات الشازة ليس بالامر السهل لأن بعضهم يستغل هذه المكاسب الحرام ليحصل علي ولاءات الناس ويشكل ميليشياتهم الصغيرة المكونة من 50 الي 250 فردا وقد ظهرت علي بعض قادة المعارضة ميولا مماثلة . ففي مدينة عزاز في محافظة حلب التي قصفتها قوات الأسد مؤخرا هناك مجموعة صغيرة من 200 مقاتل يقودهم شخص يدعي عمار داديخي وهو مهرب وسلفي ويعلن اذراءه للشعب السوري لكل من يزوره ويدعو الي اقامة الدولة الاسلامية . وهو الشخص الذي يعتقد أن يمسك بمعظم أسري حزب الله في حلب . وهو واحد من عشرات الشخصيات التي تبرز الان في كل أنحاء سوريا التي أقامت اقطاعيات صغيرة وتزيد الموقف تعقيدا بقدر ما هو معقد بالفعل . هم أقل من أن يطلق عليهم أمراء حرب ولكنهم مسلحين بقدر يجعل التخلص منهم أمرا غاية في الصعوبة .فهم كلاب وأوغاد هذه الحرب .

 *وفي اتجاه اخر ينزر بالخطر هناك أعضاء بارزين في المجلس الوطني السوري والاخوان المسلمين وبعض ائتلافات المعارضة الاخري منشغلين بتكوين ميليشياتهم الخاصة علي الأرض . البعض يقوم بذلك بزريعة محاولة انشاء هيكل قيادة موحدة للجماعات المقاتلة ولكن اصرارهم علي قيادة هذا الهيكل فستؤدي هذه الخطوة الي مزيد من الانقسام والسخرية في أوساط جماعات الثوار . وغالبا ما تبرز الأجندة الخاصة بمثل ما تبرز الأجندة الأيدولوجية .

*ومع ذلك ورغم خيبة الامل والسخط الذي يشعر به الناس فان كل النشطاء وزعماء الثورة الذين التقينا بهم يحملون مشاعر معادية للغرب . وهم ينتقدون أوروبا والرئيس الأمريكي أوباما بشكل خاص وبدأت تداعبهم كل صنوف نظريات المؤامرة حول أسباب عدم التدخل في سوريا . لكنهم حتي ذه اللحظة لا يشعرون بالعداء نحوهم ولا يزالون يطالبون بالتدخل الدولي في شكل امدادات للأسلحة وانشاء منطقة حظر للطيران . وهؤلاء الذين يعيشون في مناطق مختلطة يطالبون بارسال قوات لحفظ السلام لتسهل عليهم مهمة منع حدوث أعمال انتقامية . ولو بقي الوضع علي حاله فلا أحد يتوقع المزيد من المجتمع الدولي والكل مصر علي السير في الطريق الذي بدأوه .

*الكثير ان لم يكن كل جماعات الثوار لا تزال تحلم بانتصار عسكري تقليدي علي الاسد . ولا يزالوا يفكرون في عملية التحرير كغزو عسكري يسمح لهم من الانتقال من مدينة الي أخري حتي ايقاع الهزيمة بالميليشيات والقوات الموالية للاسد وتسيطر جماعات الثوار علي كل شبر من البلاد . ونظرا لمعرفتهم بوجود الكثير من الاختلافات الايدولوجية والشخصية التي تفصل بينهم يبدو أن هناك مجموعات معينة من الثوار تعتقد أن القوة العسكرية هي السبيل للتعامل مع شركائهم الحاليين فيما بعد . الاخوان المسلمين بشكل خاص لديهم تشككات من تحقيق حلم الانتصار العسكري الكامل والهيمنة السياسية في النهاية عن طريق التبرير ودفع الأموال . ويبدو أن هذا هو القوة الدافعة لخططهم الحالية .معظم الجماعات المنتمية للاخوان المسلمين تبدو راغبة في شغل المقعد الخلفي في القتال الجاري ليفروا أرواحهم وقوتهم لليوم التالي .

حال الدولة 

*ربما لم يسقط نظام الاسد بعد لكن الدولة انهارت . ففي هذه  المرحلة تحولت سوريا الي خليط من كنتونات عسكرية قبلية وقومية وعقائدية وطائفية يربطها خيط ضعيف حيث تتلاشي بسرعة ذكري سوريا الموحدة . ربما يظل النظام في سوريا مسيطرا علي بعض الخدمات والمناطق الحيوية وقد يظل قادرا علي قمع وصب الرعب من السماء علي خصومه والجماعات المؤيدة لهم لكن هناك مناطق كبيرة من البلاد خرجت عن سيطرة هذا النظام بشكل واضح . المشكلة هي أنه لا يوجد هياكل ادارية موازية جديرة بهذا الاسم تظهر للعيان . ومن خلال العمل مع اللجان المختصة تمكن النشطاء المحليين من طمان عدم انقطاع خدمات معينة مثل جمع القمامة والقيام بدور الشرطة ولكن هذا ينطبق علي مدن بعينها . فالمجتمعات الأصغر فقدت الكثير من سكانها مما تسبب في انقطاع كبير في الخدمات وتحويل مجتمعات بكاملها الي مدن أشباح . معظم المجتمعات متوسطة الحجم تعاني من الكثير من الدمار مما جعل المؤسسات المدنية غير صالحة . وعندما يتواجد الثوار يصبحون هم القانون الأوحد .وتواصل عمليات القصف وأرتال الدبابات المتحركة التي يحرسها ميليشيات الأسد جعل حياة الناس اليومية لا تطاق في معظم المناطق المحررة مما يستحيل معها عقد انتخابات لتشكيل ادارة محلية . وغياب الرؤية السياسية الموحدة تساعد أيضا علي ذلك . فبالاضافة لمتطلبات الحياة اليومية ,سكان المناطق المحررة مقسمين علي طول الخطوط الايدولوجية لجماعات المعارضة . فجماعات المعارضة وخصوصا اولئك الموجودون في الخارج كان من المتوقع منهم أن يقدموا الرؤية السياسية المطلوبة ولكن فشلهم في ذلك خلال الشهور الماضية أجبر النشطاء المحليين علي الارض أن يتولوا هم أيضا العملية السياسية . وبمجرد توفر الشروط الأمنية المناسبة للشروع في حوار سياسي عام سيصر الثوار المحليين والنشطاء علي التحكم في العملية السياسية . وتطور مواقف جماعات المعارضة وليس ثوابتها الايدولوجية هو ما سيفرض طبيعة الوضع في سوريا في المستقبل .

 *التطهير العرقي في منطقة ساحل الغاب في محافظة حماة ومناطق معينة في ريف حمص أصبح أمرا منتهيا ويصعب ارجاعه الي ما كان عليه في الوقت الحالي أو للأبد . لم يبقي الا معاقل الموالين للنظام في المنطقة . والاستثناءات قليلة وتتعرض للقصف الجوي بشكل دائم .

*عمليات الثأر الفردية في تزايد مستمر . المشاعر الطائفية هي القاعدة وليس الاستثناء . ويواصل التليفزيون السوري والقنوات المؤيدة للأسد و التي تعتنق سياسة واضحة منذ الايام الأولي للثورة بث لقاءات مع الجنود الموالين للنظام وميليشيات الاسد حيث يتحدث الجميع بلهجة ساحلية تتميزبها الأقلية العلوية . ومع ذلك يبدو قادة جماعات الثوار الرئيسيين ملتزمين بمنع عمليات الانتقام الجماعي . ولكن وبغض النظر عن النوايا المهم هو قدرتهم علي ضمان عدم حدوث ذلك في المستقبل . فليس كل جماعات الثوار تحت قيادتهم وبدأت الجماعات التي تعتنق أجندة طائفية في التكاثر ونوايا الجماعات التي علي شاكلة القاعدة معروفة . ربما يكون عددهم قليل نسبيا ولكن وكما رأينا في العراق ربما يعوضون هذا النقص العددي بالتعصب الديني والوحشية . فعمليات الاعدام بدم بارد ل 20 من الجنود الموالين للنظام علي يد الثوار في 10 سبتمبر هي احدي الحالات المرتبطة بهذا الأمر . انها مسألة وقت قبل أن تبدأ عمليات الانتقام الطائفي . هذه شهادة علي حكمة القادة المحليين لأن هذا لم يحدث حتي الان.

*نظرا لاعتبارات الشئون الحالية للدولة فشلت احتمالات نجاح تقسيم سوريا ولو بشكل غير رسمي خلال الاسابيع القليلة الماضية . فلن يسمح لا للعلويين ولا الأكراد وهما الجماعتين المحتملتين لتبني هذا الاجراء بأن يخلدان الي الراحة بالأراضي التي يقتطعونها . ففي المناطق الساحلية تقوم المجتمعات السنية المحلية بتخزين الأسلحة للتصدي لأي عمليات للتطهير العرقي الذي حتما سيقع . ونظرا لقرب المسافات بين المجتمعات المختلفة وزيادة التوترات الطائفية لن يبقي موقفهم دفاعيا عندما تبدأ العملية في التكشف خصوصا في منطقة الحفة . الحقيقة وانا اكتب هذا التقرير هناك معركة مستعرة في أقصي الشمال من أجزاء في منطقة الحفة في وسط قرية برج كساب والمناطق المحيطة بها حيث يحاول الثوار الوصول الي البحر والتصدي لعمليات التطهير العرقي علي يد ميليشيات الاسد . هذه الخطوة أدت الي ترك سكان القري العلوية القريبة مساكنهم عندما تعرضت قريتهم للقصف لاول مرة منذ بداية الثورة . وان عاجلا أو اجلا ومع حظر التدخل الدولي  الشامل سيتحول السنة العرب بدافع الانتقام الي قتال الشيعة وما زرعوه في درعا وحمص وحماة وحلب وادلب ودمشق ودير الزور سيحصدونه في اللازقية وطرطوس وجبلة .

 *في المناطق الكردية ورد أن القبائل العربية تتسلح للدفاع عن "سلامة الدولة " . وتمكن الاكراد الذين هم ايضا يتسلحون من منع المواجهات عن طريق التحسب للخطوات التي يتخذونها والسعي لاقامة اتصالات مع بعض زعماء القبائل لتهدئة مخاوفهم ومعالجة مشكلاتهم . وهناك حاجة للقيام بالمزيد بهذا الخصوص لمنع أي صراع بين العرب والاكراد . وهناك تزايد في التنافس الداخلي بين الاكراد أنفسهم ويواصل الموالين احزب الاتحاد الديمقراطي تعزيز وجودهم علي الارض في محاولة لفرض السيطرة علي المدن زات الغالبية الكردية . ومما زاد الامور تعقيدا أن هناك زعماء وفصائل في حزب الاتحاد الديمقراطي يخدمون أجندة مختلفة . فالاكراد السوريين منهمكين في معاركهم الداخلية التي قد تستحيل الي صراع وحتي يتوصلوا الي اتفاق حقيقي فيما بينهم ويطبقوا هذا الاتفاق في مدينة أربيل يمكن اعتبارهم عاجزين عن القتال فيما يتعلق بالثورة رغم التعاطف الثوري للنشطاء الشباب الاكراد . وقد لعب الاكراد دورا قويا في الحركة الثورية في بدايات الثورة خاصة في حلب حيث كانوا يحملون الشعلة منذ فترة طويلة . لكن المشاركة الشاملة بشكل فاعل للاكراد في هذه الثورة مفتقدة في هذه المرحلة . وعدم قدرة جماعات المعارضة العربية والكردية علي الاتفاق علي برنامج مشترك مرتبط باستراتيجية خاصة  بالاسد للتعامل مع المدن زات الغالبية الكردية مجتمعة لتحييد الدور الكردي من خلال جعل الزمن كفيل بتقيح التناقضات المذكورة أعلاه حتي تنفجر علي الساحة . وفي الواقع تعتبر مناطق الاغلبية الكردية خصوصا محافظة الحسكة براميل بارود تنتظر الانفجار . لكن الصراع في المناطق الكردية سيضر الثوار أكثر من الاسد نظرا لأن القبائل العربية في دير الزور والرقة والحسكة وحلب ستتورط في ذلك الصراع لتتشتت الانتباه عن قتال الاسد ومليشياته . ومع ضعف موقف الاسد في حلب واماكن اخري من المحتمل أن يثير عملاؤه المشاكل  في مناطق الاغلبية الكردية .

 *وتفيد التقارير أن انهيار القانون والنظام أصبح في كل مكان في سوريا وهو ما لا يثير الدهشة . ووردت تقارير أن النظام سرح كل المحكومين جنائيا وقادة الجهاديين من السجون . وتبدو هذه الخطوة جزءا من استراتيجية للتشجيع علي الفوضي وتشويه الثوار . والواقع أن هناك فرق أمنية خاصة تشكلت مهمتها السرقة والخطف والصاق التهمة علي الجيش السوري الحر . ومع ذلك توجد عصابات اجرامية حقيقية تعمل بشكل مستقل عن الحكومة . وهناك بعض من وحدات الجيش السوري الحر متورطة في خطف المشتبه بهم من الموالين للنظام ويحتجزونهم للحصول علي الفدية . وغالبا ما تكون الحاجة الي الاموال السائلة لشراء الاسلحة والامدادات هي المبرر. ومع ذلك الخيط الذي يفصل بين هذا والانشطة الاجرامية العادية يتضاءل بشده خصوصا في الوحدات القتالية الصغيرة ليدافعوا عن أنفسهم بما لديهم من الدعم القليل . لكن حلقات الخطف الاكبر حجما والاكثر تنظيما هي أجهزة الامن نفسها ومليشيات الاسد الذين يمولون انفسهم عن طريق خطف أفراد من العائلات المسيحية والسنية الثرية ويحتجزونهم بتهم ملفقة حتي تدفع عائلاتهم الدية . وحتي النشطاء المعروفين يمكن اطلاق سراحهم عندما يتم دفع الثمن المناسب للشخص المناسب .

الجبهة الالكترونية 


أصبحت الحرب الالكترونية أكثر انتشارا وأكثر سعارا بهدف تشويه بعض نشطاء المعارضة داخل وخارج البلاد خصوصا أن المجتمع الدولي بدأ الان يعير اهتماما أكثر بهم . ومن خلال اختراق حساب سكايب الخاص بعبد الرزاق طلاس وهو واحد من المنشقين الاوائل وقائد لواء الفاروق النشط في حمص وحماة وتمكن المخترقين المناصرين للاسد من الحصول علي فيديوهات له وهو يمارس العادة السرية وهو يتحدث الي فتاة في أيام رمضان . وأثرت هذه الفضيحة بشدة علي مصداقية طلاس وأدت الي انشقاقات في مجموعته . وبينما تحول الولايات المتحدة استراتيجيتها من التواصل مع المجلس الوطني السوري الي محاولة التواصل وتقديم الدعم للنشطاء والثوار المحليين يمكننا أن نتوقع المزيد من هذه الاحداث في المستقبل . وربما يتوج هذا الاتجاه بعمليات اغتيال تستهدف نشطاء شباب بعينهم  وحتي أولئك الذين يعيشون في الخارج خصوصا في اسطنبول حيث يتكاثر جواسيس النظام . الان وقد أدرك العالم أخيرا من هم الأبطال الحقيقيين لهذه الثورة وبدأ التواصل معهم من الطبيعي أن يبزل  النظام قصاري جهده لاعاقتهم . 

الجبهة الانسانية 





الأحد، 23 سبتمبر 2012

الثوار العلمانيين والاسلاميين : السعودية وقطر من تسلح ؟

         الثوار العلمانيين والاسلاميين : السعودية وقطر من تسلح ؟ 




أفلتت من يد بشار الأسد مناطق واسعة في شمال سوريا خصوصا في محافظة ادلب ,هذا ان لم تكن خرجت عن متناول يده تماما . المنطقة تعتبر الان منطقة محررة كأمر واقع وبرغم الهجمات اليومية التي تقوم بها القوات الجوية لدمشق والقصف القادم من بضعة نقاط التفتيش والقواعد العسكرية التي تراجعت اليها قوات النظام تظل المناطق التي يحتفظ بها الثوار هشة وتعاني من السيولة .

الشيئ الملحوظ أن هذا القطاع “المحرر“ من سوريا تشكل في ال 18 شهر الماضية علي يد المنشقين عن الجيش والطلبة والتجار والفلاحين والصيدلانية الذين لم يتصدوا فقط لنيران الجيش السوري المدمرة بل في بعض الحالات تصدوا له مستخدمين خليط من الأسلحة الخفيفة المحدودة وعندما يري المرء الفوضي التي عليها القوي الخارجية التي تمد جماعات الثوار المتحالفة بشكل مهلهل بالأسلحة سنعرف مدي روعة العمل البطولي الذي يقوم به الثوار . 

أثناء اعداد مجلة التايم لهذا التقرير لا تزال السعودية وقطر الداعمتين للثوار تعانيان من الفوضي وعدم الثقة فالدولتان مختلفتان علي أولوية تحديد لمن من جماعات الثوار يتم امداد الأسلحة . وقد ظهر هذا الخلاف علي السطح في شهر أغسطس حيث قام مندوبي السعودية وقطر المسؤلين عن توصيل الأسلحة للثوار بوضوح بدعم فصائل مختلفة من جماعات المعارضة - من بينهم أطياف متنوعة من الميليشيات العلمانية والاسلامية - تحت المظلة العريضة للجيش السوري الحر .

وسطاء الدولتين يعملان من داخل تركيا ,القوة العسكرية الاقليمية . وأنقرة أدانت علنا وبشكل واضح الأسد ومع ذلك تنكر أي مشاركة لها في نقل الاسلحة عبر حدودها الي الثوار في سوريا . وتدعي أن مناطقها لا تستخدم للقيام بهذه الأمور . ومع ذلك وكما أوردت مجلة التايم في شهر يونية أن هناك مجموعة سرية تدير شيئا يشبه مركز القيادة في اسطنبول يعطي توجيهات بخصوص عمليات توزيع الامدادات العسكرية التي يعتقد أن السعودية وقطر تنقلها بمساعدة المخابرات التركية الي الحدود السورية ثم الي الثوار . وقد كشفت المزيد من التقارير عن المزيد من تفاصيل العملية وأن السياسة والمحاباة تقوضان عملية توحيد قوي المعارضة المختلفة الساعية الي اسقاط نظام الأسد . 

(الجيش السوري الحر يرأسه اسميا رياض الأسعد ومقره تركيا . وكلا من الأسعد ولا رئيسه المنافس في الجيش السوري الحر اللواء مصطفي الشيخ غير مشاركين في غرفة التحكم في اسطنبول التي تمد وتسلح  الثوار الذين  يعملون تحت راية الجيش السوري الحر . وكلا الرجلين لهما مصادرهما الخاصة للتمويل ويوزعان بشكل مستقل الأموال والأسلحة علي وحدات الجيش السوري الحر المختارة .) . 

وفقا للمصادر التي تعاملت مع رجل السعودية في مركز التحكم في اسطنبول هذا الرجل هو سياسي لبناني اسمه عقاب صخر وهو عضو في حركة المستقبل التي أنشأها سعد الحريري رئيس الوزراء اللبناني السابق والتي لها تاريخ من العداء مع سوريا (سوريا متهمة بالتواطؤ علي قتل أبيه رفيق الحريري في 2005 ) . رفض الحزب اجراء لقاء مع صقر وأنكروا تورطه في أي صفقات أسلحة وأصروا أن صقر موجود في بلجيكا في “اجازة “ من واجباته السياسية . 

ومع ذلك من الواضح أنه كان موجودا في مدينة أنطاكية في جنوب تركيا في أواخر شهر اغسطس . فعندما استفسرت مجلة التايم عنه في احدي الفنادق في أنطاكية تأكدت أنه كان موجودا في المنطقة في تلك الفترة . وحسب مصادر في المعارضة السورية التي تعاملت معه كان السياسي اللبناني هناك للاشراف علي توزيع دفعات الامدادات -حوالي 50000 طلقة كلاشنكوف وعشرات من القذائف الصاروخية - علي أربع مجموعات مختلفة علي الأقل من الجيش السوري الحر في محافظة ادلب وشحنات أكبر لمناطق أخري من ضمنها حمص .وتقول مصادر الجيش السوري الحر أيضا أنه التقي ببعض القادة ولم يلتقي بالاخرين . الانتقائية التي تكدر الأجواء . 

هذه المحاباة سببت مشاكل علي الأرض من عدة نواحي . حسب مصادر الجيش السوري الحر ونشطاء وأعضاء بارزين في غرفة التحكم في اسطنبول كان صقر مسؤلا بشكل رئيسي عن اختيار ممثلين عن ال 14 محافظة السورية الذين سينقل مركز القيادة في اسطنبول اليهم شحنات صغيرة من الاسلحة الخفيفة - بنادق الكلاشنكوف وقازفات الصواريخ والرشاشات من نوع BKC والزخيرة - لتوصيلها الي جماعات الجيش السوري الحر التي تعمل في المنطقة . لكن العشرين سوري أو نحوذلك الذين أختيروا لتوزيع الاسلحة لم يكونوا بالكفاءة المطلوبة .( منطقة مثل دمشق بها أكثر من مندوب ) . هؤلاء المندوبين كان “من المفترض أن يقوموا بتوصيل الدعم للداخل ولكن لم يكن لهم وجود علي الأرض . لم يكونوا معروفين “ قال أحد النشطاء المؤثرين  الموجودين في الولايات المتحدة والذي له اتصالات واسعة داخل سوريا ولعب دورا في انشاء غرفة العمليات في اسطنبول . “ لاحظت نقطة الضعف تلك فاتصلت بأشخاص أعلم أنهم يعملون مع عقاب علي الأرض . ولم أكن الوحيد الذي فعل ذلك . اخرين فعلوا لأننا نريد لهذه الغرفة أن تنجح . “. 

لكن الانتقائية ولدت مزيدا من المحاباة في توزيع الأسلحة .قال أحد أعضاء غرفة التحكم الذي يمثل شرق سوريا لمجلة تايم : “هؤلاء الذين يتسلمون البضائع يوزعونها كما يحلو لهم . بدأو يرسلون للناس ويقولون لهم هذه هدية مني اليكم . بعض المندوبين الاخرين كانوا أكثر جرأة في سعيهم للحصول علي ولاء جماعات الجيش السوري الحر داخل سوريا قبل تقديم البضائع اليهم . وفي محاولة لتخفيف المشكلة تم اجراء عملية تبديل لمندوبي المحافظات ولكن ظلت المشكلة علي حالها . وقال أحد المقاتلين داخل سوريا غاضبا : “الأسلحة توزع في السر و سيظل السر غامضا . “

رجل قطر - رائد انشق عن جيش الأسد ولا يزال يرفض الاستجابة  لطلب المجلة  للتعليق علي الأحداث - زاد الموقف تعقيدا . القطريون يريدون التركيز علي المجالس العسكرية الاقليمية ,جماعات الجيش السوري الحر داخل سوريا  التي نشأت في أوائل هذا العام  وكان من أهدافها التغلب علي مشكلة المحاباة في اختيار المندوبين .(يوجد حوالي 10 مجالس عسكرية موزعة في أنحاء البلاد ) . البضائع تسلم للمجلس ثم توزع علي الكتائب تحت مظلتها . في الواقع العملي لم يكن الأمر بهذه السهولة والسلاسة . قال عضو من غرفة اسطنبول من محافظة ادلب : “حصلنا علي قوائم من قادة الكتيبة بأسماء رجالهم لكننا لم نعد نصدق الأرقام . لكن السعوديين ومن خلال عقاب صقر يريدون دعم جماعات بعينها داخل المجالس دون غيرها . 
قال عضو غرفة التحكم المسؤل عن شرق سوريا : “شعرنا أن الأطراف التي تدعمنا لا تقرأ من نفس الصفحة . بدأوا في عقد اجتماعات جانبية مع بعض الجماعات . المهم أن الشباب يحصلون علي الأسلحة . سواء عن طريق غرفة العمليات أو مباشرة هذا لا يهم . لا أحد يعرف حقيقة ما يحدث . لقد كذب علينا المجتمع الدولي وكذبنا علي الشباب في الداخل وقلنا لهم أن الأسلحة ستأتي في خلال أسبوع ,خلال عشرة أيام ومرت شهور دون أن تصل الامدادات الي بعض المناطق . فحتي أراها أراها توزع أمامي حينها أصدق ,“

في بلدة بديتا في محافظة ادلب - مسقط رأس رياض الأسعد - يشتكي مقاتلي الثوار بمرارة من نقص المساعدات . قال أبو مرعي قائد احدي المجموعات في المدينة الصغيرة التي تضم 2000 شخص :  “نحن نلعق الصحون . ونتسول الملح . هذا لا يكفي وحتي الأسلحة التي تصلنا كقطرة في بحر تكقي لنستمر في القتال حتي نقتل بعضنا البعض دون أن ننتصر . “ . 

يقول الرجال هنا أن الأشخاص زوي الظهور الاعلامي الكبير الذين ينتجون مقاطع الفيديو المثيرة للمشاعر وينشرونها علي اليوتيوب وتحقق أعلي مشاهدة يتلقون النصيب الأكبر من الغنائم بغض النظر عن الاهمية الاستراتيجية لعملياتهم .وتخدم الفيديوهات في الحصول علي التمويل ليس من مركز القيادة في اسطنبول وحدها ولكن من المتبرعين الأفراد الذين لهم قدرة كبيرة علي جمع التبرعات مثل المشايخ ورجال الدين في  الخليج . وقال مقاتل اسمه نصر : “ لقد علمونا أن اضرب وصور وسندعمك. “ .

العقيد عفيفي سليمان رئيس المجلس العسكري في ادلب - وهو عبارة عن مجموعة مكونة من 16 وحدة عسكرية موزعة في جميع مناطق المحافظة - غير سعيد من الدعم الذي يصله من غرفة القيادة . يقول أن غاضب من صقر الذي “ أقحم نفسه في مسألة الاسلحة لشق الصف وتقسيم الثوار . “ . ويقول أن صقر “اختار مؤخرا ثلاث أشخاص من مجلسنا وقام بدعمهم . لن أذكر أسماءهم . انهم ليسوا من الوحدات الكبيرة . هناك مجموعة واحدة كبير والباقين مجموعات عادية . . “. وقال سليمات للتايم : “لقد سبب شرخا داخل المجلس ونحن نعمل علي علاج هذا الشرخ . وقد أوضحنا الموقف لاخوتنا السعوديين بخصوص عقاب ووعدونا أنه لن يكون هناك دعما سواء دعم مالي أو عسكري الا من خلال المجالس العسكرية . هذا ما وعدونا به مؤخرا . “.

ومما زاد الأمر سوءا أنه وردت أنباء عن وجود علاقات قوية بين القطريين والاخوان المسلمينفي سوريا بينما السعوديين “لا يريدون أي علاقات مع أي شيئ يطلق عليه الاخوان المسلمين “ كما يقول احمد زيدان الاسم الحركي لأحد أعضاء المجلس العسكري في ادلب . ووفقا لعدة مصادر فان المجموعة الكبيرة التابعة  للمجلس العسكري في ادلب والتي يدعمها صقر هي شهداء كتيبة سوريا برئاسة جمال معروف لأن لها “ وجهة نظر محايدة خاصة بالاخوان المسلمين . “ كما قال أحد النشطاء المقيمين في الولايات المتحدة .

المجموعة  الكبيرة الاخري الموجودة في المجلس العسكري في ادلب هي صقور الشام برئاسة أحمد أبو عيسي وهي مجموعة اسلامية مقرها جبل الزاوية . أبو عيسي هو أيضا ليس صديقا ودودا للاخوان المسلمين . ففي 19 اغسطس اعلن انسحابه من الائتلاف الاسلامي لأنه قال أن الاخوان سيسوه عندما أسموه علي اسم حزبهم بدلا من أن يطلقوا عليه اسما يعكس طبيعة التنوع في الجماعة .

حجم الدعم الذي يحصل عليه الاخوان المسلمين سياسيا وعسكريا داخل سوريا مثار جدل لأن الانضمام للجماعة منذ الثمانينات كان يمثل جريمة . وهناك كلام كثير أن الاخوان لهم نفوز قليل علي الأرض وأنها ستقدم الدعم العسكري واللوجستي في مقابل شراء ولاء البعض كجزء من محاولتها لزيادة أعداد المنتمين اليها . وهذا الادعاء ينكره بشدة ملهم الدروبي العضو التنفيذي للاخوان المسلمين والعضو المؤسس للمجلس الوطني السوري , الجماعة السياسية التي تعمل خارج سوريا والتي حاولت أن تمثل المعارضة في بداية الثورة السورية . وقال للتايم من منزله في جدة في السعودية : “ هذا غير صحيح بالمرة . نحن لا نميز علي أساس الولاء للاخوان المسلمين .جماعة  الاخوان المسلمين موجودة علي الارض .ونحن نعمل تحت مظلة الجيش السوري الحر . “ . قال ذلك ولكنه لم يكشف عن عدد الوحدات ولا عن مكان تواجد الجماعات المسلحة التابعة للاخوان المسلمين داخل سوريا . ولكنه قال أن الاخوان المسلمين لديهم عضو واحد علي الأقل في غرفة العمليات في اسطنبول .

ومع ذلك يظل الاخوان المسلمين هم مجموعة واحدة فقط من الجماعات الاسلامية الكثيرة التي تقوم بعمليات داخل سوريا . البعض مثل الجماعة السلفية المسماة احرار الشام ليست جزءا تاما في الجيش السوري الحر رغم أنها جزء من المجلس العسكري في ادلب وبالتالي تحصل علي القليل من الدعم من مركز القيادة في اسطنبول . وهذا انعكاس للحقيقة أنه في معظم الحالات وعلي الأقل في ادلب تكون عمليات الهجوم التي يقوم بها الثوار عمليات مشتركة بين جماعات من مقاتلي الجيش السوري الحر والاسلاميين والسلفيين وحتي الجماعة المتطرفة  المسماة جبهة النصرة التي يزعم البعض أن لها علاقات مع القاعدة . وهناك أنباء وردت أن جماعة أحرار الشام تتلقي  الحجم الاكبر من التمويل من الكويت .

وبالمثل بعض جماعات الجيش السوري الحر مثل صقور الشام هي جزء من الشبكات الاسلامية الأوسع في الغالب للوصول الي الحد الأقصي من الدعم الذي يمكنهم الحصول عليه . وفي تطور كبير انضم أبو عيسي الي الائتلاق الاسلامي السوري الجديد الذي أطلق عليه جبهة تحرير سوريا التي تضم عدد هائل من الجماعات الثورية المتمرسة علي القتال ومنها ألوية الفاروق في حمص .

يصر أبو عيسي أنه سيبقي جزءا من المجلس العسكري في ادلب وأن جبهة التحرير لن تحجب أحدا حتي لو أصبحت أقوي هيئة مسلحة في سوريا .  وقال : “ نحن نعترف بالاخرين طالما يعترفون بنا . المجالس العسكرية يمكن أن تصبح جزءا منها . “ . ولكن عندما سألناه عن نفوز الأطراف الخارجية مثل صقر وقف شعر رأسه . “ لن نقبل أن نكون أداة في يد أحد ولا نقبل كائنا من كان سواء من الخارج أو من داخل الثورة أن يتصرف بطريقة تقسم الثوار . “ .

أبو عيسي وسليمان ومعروف بالاضافة لزعماء مرموقين اخرين من ثوار المحافظات الاخري قضوا معظم شهر اغسطس في جولات مكوكية بين تركيا وسوريا لحضور اجتماعات علي مستوي رفيع مع دبلوماسيين والمعارضة السورية . فالدبلوماسية الأمريكية غير مدركة للتركيبة الكاملة للأزمة السورية . فقرار وزيرة الخارجية الامريكية هيلري كلينتوت بتوبيخ المجلس الوطني السوري أثناء رحلتها الي اسطنبول في شهر أغسطس أعتبر ه الكثير من النشطاء داخل سوريا أنه اعتراف متأخر أن أعضاء المجلس في الخارج ليس لهم ثقل أو مصداقية . والواقع أن من يحملون السلاح هم من لهم ثقل ومصداقية برغم أن الخارجية الامريكية تنكر أي  اتصال مباشر مع الجيش السوري الحر .( المجلس الوطني السوري ليس له أي دور في تسليح الجيش السوري الحر داخل سوريا رغم وجود أعضاء من المجلس الوطني السوري داخل غرفة التحكم في اسطنبول يمثلون مناطقهم ) .

ادارة الرئيس اوباما لا تتعامل بشكل مباشر مع المعارضة المسلحة ولكنها سمحت لمنظمة غير ربحية تسمي مجموعة دعم سوريا لجمع التبرعات لصالح الجيش السوري الحر . ومجموعة دعم سوريا تتشكل من سوريين في الخارج في الولايات المتحدة وكندا وموظف سابق في الناتو .

زيدان عضو المجلس العسكري في ادلب لا يفرق بين السياسة الرسمية للولايات المتحدة وسياسة مجموعة دعم سوريا فهو يقول أنه كان علي اتصال باعضاء في المجموعة منذ شهور : “ أعلم أنهم يخشون من شيئ اسمه القاعدة . الأمر كله كذبة كبيرة . انهم يتحدثون عن جماعتي أحرار الشام وصقور الشام . انهم اسلاميين ملتزمين وليسوا متطرفين . الكثير من هذه الجماعات بحاجة الي الدعم . نحن نحارب من أجل دولة ديمقراطية وليس لننصب بعض الناس ممن لهم أجندة أمريكية أو اوروبية أو سعودية . نريد أن نسقط النظام فمن يريد مساعدتنا فسنسمي وحداتنا بالأسماء التي تروق لهم طالما يقدمون لنا الدعم .. نريد فقط أن ننتهي من هذا الأمر . “

 http://world.time.com/2012/09/18/syrias-secular-and-islamist-rebels-who-are-the-saudis-and-the-qataris-arming/






الخميس، 20 سبتمبر 2012

وسط العلويين

وسط العلويين 


يمكن للمرء التعرف علي معقل الطائفة العلوية في سوريا من خلال الجنائز . ففي مدينة القرداحة في محافظة اللاذقية الجبلية، مسقط رأس اسرة الاسد، شاهدت  دراجتين ناريتين تابعتين للشرطة تصعدان إلى ارتفاع التل وقد وضعت على زجاجها الامامي صور لبشار الأسد. يتبعهما سيارة إسعاف، تحمل جثة عقيد من أمن الدولة.أثناء مرور القافلة،اطلق الرجال من حولي  رشقات نارية من نيران الأسلحة الآلية. شعر المرشدين  المرافقين لي من البلدة بالحرج لاني شاهدت  هذا المشهد  وذكرا لي  أنها كانت المرة الأولى التي تحدث."انه شهيد لذلك فنحن نعتبره عرسا " . تلاميذ المدارس والمعلمين  الذين كانوا يقفون علي جانبي الطريق  كانوا يلقون بالأرز وبتلات الزهور ويهتفون "لا اله الا الله الشهيد حبيب الله "و سار مئات من المشيعين يرتدون الاسود في شوارع القرية إلى ضريح القرية وصاحوا. "أهلا، يا شهيد، . نحن لا نريد غير الأسد".

 كان شهر ابريل الماضي هو شهري السادس في جولتي داخل سوريا. بعد أن غادرت الجنازة سمعت عن جنازة أخري ليست بالبعيدة، في قرية رأس العين، بالقرب من الساحل. قرية مكونة من سبعة آلاف شخص  فقدت الآن سبعة شهداء من قوات الأمن، وستة في عداد المفقودين أو الأسرى و الكثير من الجرحى . قال أحد الضباط  "كل يوم لدينا شهداء . "انها تضحية من أجل الوطن.". وتحدث آخر عن "جرائمهم"، وقال "انهم" قتلوا الجندي لأنه علوي.. أحد المرشدين المرافقين لي وبخه بسبب حديثه لي عن الصراع من الناحية  الطائفية . وقال جندي اخر "المعارضة لم تترك  لنا خيارا ..انهم لا يقبلون الا بالقتل ". 

الطائفة العلوية هي أحد الطوائف الشيعية التي تنتمي اليها عائلة الأسد والتي لا تزال هي أكثر الطوائف الموالية للرئيس بشار الأسد وتشكل 10 % من سكان سوريا . وغالبية السوريين -حوالي 65 % - من السنة العرب . والطائفة العلوية هي واحدة من عدة أقليات بجانب الأكراد السنة والمسيحيين والدروز والشيعة من غير العلويين والطائفة الاسماعيلية . لكن الطائفة العلوية كان ينظر اليها دائما علي أنها حالة خاصة فالعلويين ليسوا ملمين بتعاليم العقيدة العلوية .لكن ايمانهم بتناسخ الارواح والتجسد وألوهية سيدنا علي ابن عم الرسول صلي الله عليه وسلم -في ثالوث يجمع سيدنا علي وسيدنا محمد والصحابي سلمان الفارسي جعلت العلويين يخرجون عن الاسلام  . ومعظم العلويين يرون الدين كتعبير عن الهوية أكثر منه عقيدة راسخة .

تشكلت الهوية العلوية نتيجة عقدة الأقلية والخوف من هيمنة السنة . .ويفضل العلويين أن يعيدوا تكرار قصة الظلم الذي تعرضوا له .  كتب المؤرخ الفلسطيني حنا بطاطو "العلويين لم يكونوا مرغوب فيهم وتعرضوا تحت الحكم العثماني للانتهاكات وصبت عليهم اللعنات والابتزاز وفي بعض الأحيان كانت تؤخذ نسائهم وأطفالهم سبايا ويتخلصون منهم ببيعهم . .". كانوا من الناحية العملية عبيدا للامراء الاقطاعيين الذين عينهم العثمانيين . ولم تضمحل النخبة السنية الا عندما بدأ الانتداب الفرنسي سنة 1920 وبدأت الاقليات ومن ضمنها الطائفة العلوية تتمتع بقدر من الحراك الاجتماعي . وتوسل العلويين أن يمنحهم الفرنسيين دولة مستقلة تحميهم من سطوة الطائفة السنية ولكن دون جدوي .

وجد العلويين في فكرة القومية العربية التي تبناها حزب البعث الذي استولي علي السلطة في انقلاب سنة 1963 وسيلة لتجاوز الهوية الطائفية ومنحهم الجيش والخدمة المدنية وسيلة للخروج من قراهم الفقيرة.. وسرعان ما بدأت جميع  طوائف الشعب من ذوي الخلفيات الريفية، والعلويين خاصة، للسيطرة على صف الضباط والأكاديميات العسكرية. وفي سنة 1971 قاد حافظ الأسد العلوي والقائد السابق للقوات الجوية والذي أصبح وزيرا للدفاع انقلابا ضد منافسه البعثي .وعندما توفي الأسد سنة 2000 بعد 30 عاما من حكم سوريا تولي ابنه بشار .في تلك الفترة تحول العلويين من أقلية مهمشة الي أقلية تحظي بحماية الدولة وتحولت الدولة في المقابل الي حصن للدفاع عن الهوية العلوية . كتب بطاطو في عام 1981 " يشكل العمل من أجل التلاحم في المرحلة الحالية خوفا كبيرا في أوساط العلويين من جميع الاتجاهات والرتب من العواقب الوخيمة التي ستحل علي العلويين بعد سقوط النظام الحالي ".

تاريخيا كان العلويين يقفون علي هوامش الاسلام حتي أن الأسد الأب اضطر الي  "أسلمتهم " حتي تقبله الغالبية السنية حاكما عليها . ويري العلويين أنفسهم أكثر "ليبرالية" وعلمانية من بقية المسلمين ويشيرون الي تناولهم الكحول، واللباس الغربي للمرأة العلوية واختلاطها بالرجال . وأحيانا يستخفون بأهل السنة الأكثر منهم التزاما . يتذكرون انتفاضة الاخوان المسلمين سنة 1980 ويعتبرونها فترة ساد فيها العنف الطائفي سحق فيها النظام الارهابيين ويراها السنة فترة ساد فيها وحشية النظام وتم استهدافهم بشكل جماعي . في هذه الأيام من الصعب أن تجد عضوا من المعارضة السنية الذين لم يفقد أحد أعمامه أو يسجن له أب أو جد في عمليات القمع التي تلت تلك الانتفاضة . والمعارضة لم تقل حتي الان ماذا ستفعل حيال مئات الرجال في قوات الأمن اذا سقط النظام الحالي حيث يري العلويين أن لديهم من الاسباب ما يدعوهم للخوف .

أقام الموالون للنظام في محافظة طرطوس الساحلية وأجزاء أخرى من معقل العلويين عدد لا حصر له من نقاط التفتيش الجديدة في حراسة الجيش السوري أو من أفراد القوات شبه العسكرية من اللجان الشعبية في مزيج من ملابس مدنية والعتاد العسكري. قامت القري بتسليح نفسها .في مايو زرت بلدة الشيخ بدر الجبلية  في محافظة طرطوس. قتل ثلاثة وأربعين من قوات الأمن من سكان المدينة  و تم القبض على سبعة آخرين أو في عداد المفقودين.وأثناء وجودي في مكتب رئيس البلدية وصلت اليه أنباء عن احضار أحد الجنود الجرحي . وقد قتل أول شهيد في بلدة الشيخ بدر في مدينة درعا في شهر أبريل 2011 بعد مرور شهر علي اندلاع الانتفاضة . واخر شهيد كان عقيدا قتل في دمشق ودفن قبل يومين من زيارتي .

تلك المدينة مشهورة بضريح الشيخ صالح العلي وهو شخصية ضد الاستعمار وحارب الفرنسيين.وقال رئيس البلدية وهو يردد علي مسامعي جزء من خطاب الشيخ صالح الذي يحفظه وأحد رجال الأمن في المدينة واسمه أبو حيدر يصغي اليه "في خطاب شهير رفض فكرة الدولة العلوية المستقلة لأنه يحب هذا البلد،" . وقال رجل الأمن "نحن لا نؤمن بحافظ الأسد لأنه كان علويا ولكن لأنه كان وطنيا عظيما، . هل بامكان أي  نظام أن يحكم شعبا لمدة أربعين عاما دون رضاه؟" . وعندما سألت رئيس البلدية كيف سيكون رد فعله اذا جاء رئيس غير بشار ليحكم سوريا تهرب من السؤال . فككل العلويين الذين التقيت بهم لا يمكنه تخيل رئيس غير الأسد . وتساءل أحد الرجال الموجودين معه لماذا يساند الغرب الاسلاميين - في ليبيا وتونس ومصر والمملكة العربية السعودية وأماكن أخرى - بدلا من الحركات الأكثر علمانية وتقدمية . رئيس البلدية، مثل العديد من أنصار النظام، يعتقد ان هناك مؤامرة اسلامية في المنطقة. فالانتفاضة في تونس ومصر وليبيا بالنسبة له ليست ثورة عفوية ولا احتجاجات شعبية ولكن مؤامرة منظمة مرتبطة بالولايات المتحدة والاخوان المسلمين ودول الخليج العربية . وقال واحد من الرجال "هذه ليست حركة شعبية، هذه  حركة سلفية، " . وتساءل أبو حيدر " ماذا حققت الثورات في تونس وليبيا ومصر؟ ". صعود الاسلاميين الي السلطة في تلك البلدان جعل المناصرين للحكومات يشعرون بمزيد من عدم الارتياح لفكرة احتمال تغيير النظام .

سألت رجال الأمن لماذا لم يبدأ بشار في اصلاحاته الخجولة الا بعد قيام المظاهرات الاحتجاجية في مارس 2011 فجاء الرد من أبو حيدر كرد جميع المناصرين للنظام وهو أن أحداث 2003 (غزو العراق ) و 2005 ( اغتيال رفيق الحريري رئيس الوزراء اللبناني والانسحاب السوري من لبنان ) و 2006 (  حرب اسرائيل علي لبنان ) و2008 (الاقتتال الداخلي في لبنان ) منعتنا من اجراء الاصلاحات . سألتهم هل تقتل قوات الأمن المتظاهرين العزل . أجاب الجميع بالنفي وأصروا علي أن النظام قد حظر استخدام الأسلحة ضد المتظاهرين.كنت أعرف أنهم يكذبون . ففي خلال ستة شهور في سوريا حضرت أكثر من مئة مظاهرة للمعارضة وتعرضت لاطلاق النار في الكثير منها . وذات مرة كان يقف بجانبي شاب كان يلقي بالحجارة وأطلق عليه النار وقتل .

لكي أسافر بأمان في المناطق الخاصة بالعلويين استأجرت رقيب من أمن الدولة خارج الخدمة اسمه أبو ليث وهو من سكان مدينة ربيعة الواقعة في ريف محافظة حماة . وخلال الفترة التي عرفته فيها لم يكن يأكل بل يدخن النرجيلة في كل فرصة سانحة ودائما ما يجري مكالمات تليفونية لعقد الصفقات فقد كانت مهنته الاخري هي تهريب السجائر . راتبه 17000 ليرة في الشهر .وقال لي "لا يوجد لدينا وساطة في الدولة " وبالتالي ليس في امكانه الحصول علي وظيفة مدنية . "لا نجد عملا الا في الجيش أو الشرطة " . وعن طريق تهريب كراتين السجائر يمكنه الحصول من 1000 الي 1500 ليرة في اليوم . لديه كثير من الاخوة في الجيش والشرطة . عندما كنا نسير بالسيارة في أماكن كان يجهلها كان يسأل الناس كيف يتحاشي المرور في بلدات يقطنها السنة . وفي بعض المناطق كان السكان يصنعون طرقا ملتوية عبر المدن العلوية والمسيحية ويرسمون اسهما علي جدران القرية للاشارة الي القرية التالية حتي يتحاشي سائقي الاوتوبيسات وغيرهم المرور علي معاقل المعارضة . وعندما كنا نقترب من المناطق السنية كان أبو ليث يقوم بحشو مسدسه . وأوضح لي قائلا "حتي لا أضيع هباءا . المهم ألا تضيع هباءا . ". وذكر لي أن حوالي مئة من رجال الأمن في المنطقة قتلوا ومئتين جرحوا وخمسة من أبناء عمومته قتلوا .

أغلب الرجال في ربيعة يخدمون في الجيش أو قوات الأمن في أماكن أخري في الوطن والكثير منهم يعيشون في التجمعات السكنية المخصصة للجيش أو يسكنون في الأحياء العلوية الخاصة بالطبقة العاملة في دمشق الكبري . منطقة القدسية في دمشق بها منطقتين مخصصتين للعلويين احداهما تسمي الورود والاخري أطلقوا عليها اسم الحرس الجمهوري حيث يقطن جنود الحرس الجمهوري . كلا المنطقتين تجاوران الأحياء الخاصة بالطبقة العمالية السنية  وكانت هناك مناوشات تقع بين الطائفتين منذ اندلاع الاتفاضة . كثير من المباني في حي الورود أقيمت علي عجل وبشكل غير قانوني علي أراضي الدولة . وتغض السلطات الطرف عن تلك المناطق السكنية الغير رسمية لأن سكانها من أعمدة قوات الأمن . وهنا كما في معظم القري تجد القليل من الطرق المعبدة وندرة الخدمات . وبرغم الاهمال الذي يتعرضون له ظلوا مناصرين للنظام وحراسه المخلصين في الشوارع . كان رجال الأمن الذين يتجولون معي يؤكدون علي الفقر الذي تعاني منه المنطقة ليثبتوا لي أن العلويين لم يستفيدوا من النظام . ‘لم نطلب شيئا ولا نريد شيئا . فقط نريد الأمن ‘.

عندما أخذني أبو ليث الي ربيعة نفسها انتشر خبر وصولنا بسرعة .   نظم الآلاف من سكان البلدة مظاهرة عفوية يبدو فيها اخلاصهم الواضح للنظام في وسط البلدة بجوار تمثال لحافظ الأسد يمسك بالسيف وغصن الزيتون . أقيم التمثال الذي دفع ثمنه الأهالي بعد بداية الانتفاضة .خلف التمثال ملصق كبير لحافظ وبشار الأسد وكتب عليه "ربيعة في عرين الأسد " . أخذوني من منزل لمنزل ليتمكن الناس من ابلاغي و عن أقاربهم الموتي والجرحي وعن شهداء ربيعة ال 42 . قلت لمجموعة من رجال المدينة انني سمعت كلاما مماثلا في معاقل المعارضة التي زرتها مثل بابا عمرو في حمص وأنني سمعت روايت مماثلة عن أباء وأبناء استشهدوا .قال عقيد في الجيش قتل ابن أخيه في ادلب "أبناءنا كانوا ذاهبين الي أعمالهم . وهناك فرق بين أن تقتل شخصا يقوم بعمله لصالح البلد وقتل شخص مسلح يحمل السلاح ضد الدولة . هل المتظاهرين السلميين هم من قتلوا الضباط الخمسة عند نقطة التفتيش . " .






طوال العام الماضي كان العلويين في ربيعة يشتبكون مع مع القري السنية المجاورة وفي الصيف الماضي لم يتمكن طلبة المدينة من السفر الي مدينة حماة لأداء امتحاناتهم لأن المعارضة سدت الطريق . واستقرت حوالي ثلاثين أسرة علوية كانت تسكن في احدي القري التي يشكل غالبيتها السنة في ربيعة لأنهم فقدوا الأمان للعيش في قريتهم . وأصيبت تلك العائلات بخيبة الأمل من استجابة الحكومة . وقال لي أحد الأشخاص "لم نكن نمتلك السلاح والا قاتلناهم  . كان عليهم أن يرسلوا الدبابات لكن المعارضة سدت الطرقات . نريد من الحكومة أن تحل مشكلاتنا وأن يعيدنا الجيش الي بيوتنا . يجب أن يدخل الجيش القري لكن الجيش مشغول في حماة . لماذا تتمهل الدولة . " اتفق والد أبو ليث وهو جندي متقاعد مع هذا الرأي وقال "الجيش وحده هو القادر علي حل هذه المشكله . فلو قمنا بالرد عليهم بأنفسنا سيعتبرونها عنفا طائفيا وستنضم اليهم القري الاخري للدفاع عنهم وسيتفوقون علينا في العدد." .






ومن ربيعة توجهت نحو الشمال الغربي الي قرية العزيزية العلوية النائية التي اشتبكت مع قرية تمانة السنية المجاورة . وكما هو الحال في معظم القري العلوية كان أغلبية رجال القرية يعملون في الجيش أو الشرطة وكل جيرانهم السنة يدعمون المعارضة وكانت جماعات المعارضة المسلحة تقوم بعمليات في المنطقة منذ الربيع المنصرم . أقرب المدن هي مدينة سلهب التي تحوي المئات من الامهات والاطفال المشردين الذين فروا من القرية . لا يوجد ما يشير الي توقف القتال بين العزيزية وتمانة وفي المدينة وجدت عائلات في حالة هيستيرية . صرخت في وجهي امرأة وصلت مؤخرا الي سلهب "لقد غادرنا تحت طلقات النيران .كرامتنا عزيزة !وقائدنا مكرم وهم خونة .نضحي بكل شيئ لأجل بشار !"


اشتكي لي شخص اخر "طالبناهم بالتعزيزات ولم يرسلوها ." .الكل متفق علي أن العلاقات بينهم كانت وثيقة حتي اندلعت الانتفاضة . قالت لي احدي الامهات " كنا جيران نأكل معا ونذهب الي منازل بعضنا ثم كان التحريض الطائفي  . كانوا يخرجون في المظاهرات ويسبوننا ". ورغم شعورهم بخيبة الأمل من عدم قدرة النظام علي حمايتهم - تسمع ذلك في كثير من التجمعات العلوية - كانوا يرغبون في ابلاغي بمدي اخلاصهم لبشار . قالت لي احدي النساء "فليقتلونا جميعا ولو لم يبقي منا الا شخص واحد فسيظل يؤيد بشار ." . يا له من تناقض غريب . فالعلويين يرون أنفسهم أفقر السكان حيث منشأهم في القري المتواضعه وتعرضوا للاهمال الشديد من الحكومة في دمشق ومع ذلك يرغبون في الموت في جماعات لنفس الدولة التي يرون أنها فشلت في حمايتهم .


في الأيام الأولي للثورة تعرفت علي الدكتور يحي أحمد وهو شخصية مؤثرة في واحدة من أحياء حمص العلوية . في تلك الفترة كان شغله الشاغل هو العمل بجانب أصدقاءه السنة للحد من التوترات الطائفية . كنت أجلس علي سطح العمارة التي يقطنها أثناء احدي اللقاءات معه عندما فتح أحد القناصة النار علينا فجأة . لم يصب أحد وكان الدكتور ورفاقه يشكون أن يكون القناصة من جماعة المعارضة المسلحة ويرون أنهم من أنصار النظام المتطرفين . عندما التقينا في أوائل هذا العام كانت الأمور قد ساءت - قذائف المورتر
التابعة للمعارضة أصابت المبني مرتين - وكان يقضي أغلب وقته في المدينة المجاورة .تقريبا كل المحال التجارية أغلقت .وذكر لي أن العلويين كانوا يتعرضون للخطف وأن العلويين كانوا يردون بالقوة . سألته كم قتل من العلويين ؟ فأجاب " القتلي والأعداد ؟ .عقارب  الساعة توقفت . وأعداد القتلي لم يعد ذا أهمية " . أصدقائي في المعارضة قالوا لي نفس الشيئ عن قتلاهم .

واصل يحي قائلا " المسلحين يسيطرون علي الأمور وأنا أصبحت مسلحا نتيجة لفشل الدولة في توفير الأمن فأصبح لزاما عليا أن أتسلح . وأنت كشخص علوي لا تستطيع أن تضع كل ثقتك في الدولة . فماذا لو نام الشرطي الموجود في نقطة التفتيش " . لقد تغير موقف يحي . " لو سألتني من عام مضي من يحل محل بشار كرئيس لقلت لك فلان وفلان . لو سألتني اليوم فسأقول لك لن أقبل بغير بشار رئيسا " . لكن كانت هناك نفس الازدواجية التي يجدها المرء لدي كل العلويين . " بشار أضعف من دور الأمن في الحياة اليومية وهذا أحد الأسباب للموقف الموجود فيه " .. أردت أن يعترف لي بالحصيلة الضخمة من القتلي المدنيين التي نتجت عن عمليات القمع . قال لي  " الأبرياء يقتلون دائما ولا تستطيع أن تفرق بين الهدف البرئ والغير برئ . هل تعتقد أن هناك سلطة في العالم لن تحمي نفسها ؟ " .

ذكر لي أحد الشخصيات الأمنية البارزة المسؤل عن حمص وأماكن أخري أن  ثمانون ضابطا وضباط الصف كانوا معتقلين لارتكابهم ’أخطاء ’ - اعتداءات وفظائع وتعذيب - و 10 منهم   سيحكم عليهم بالسجن 15 عاما . هذا التصريح يبدو بلا معني أمام عنف النظام ضد المدنيين . ( فلو قامت أجهزة الأمن بأي مبادرة لتأديب العاملين لما تفشت هذه الجرائم ) .ولم يخطئ العلويين عند شعورهم أن الدولة في حيرة في أمرها لتتدبر أمر حمايتهم نتيجة للغضب الشديد من عمليات القمع التي ترتكبها . فهذا الشعور هو الذي أدي الي زيادة الميليشيات القوية المتزايدة الموالية للنظام الذين يتصرفون دون مساءلة وكأن لديهم حصانة ويسببون الحرج للنظام . هذه الميليشيات هي المسؤلة عن المزابح التي أرتكبت في حمص وحماة .لكن بشار ليس في وضع يسمح له بالتصدي لأنصاره الأشداء والأكثر ولاءا له . وذكر لي مهندس في حمص وهو علوي انضم الي المعارضة أن أول مرة رأي فيها عصابات الموالين في الشارع في مارس 2011 . وقال ‘كانت جماعات عشوائية لم يتم تنظيمها .فقط كانت لديهم نوادي خاصة بهم ولكن في شهر يوليو تم تنظيمهم والان يعملون لحسابهم الخاص . أخطر ما في الحروب الأهلية هم الناس الذين يعيشون علي تلك الحروب ويعتمدون عليها ماليا . رأيت ذلك في لبنان . وفي حمص هناك حرب أهلية مفتوحة . ‘.

في أيام حافظ الاسد كان مصطلح شبيحة يعني المجرمين المنظمين والمهربين الذين يتعاونوا مع اجهزة الأمن وبعضهم كان جزءا من قبيلة الأسد - أخو بشار معروف عنه أنه سحق وسجن عناصر من شبيحة الأسد عندما خرجوا عن السيطرة - وجميع الشبيحة ينتمون الي الطائفة العلوية . وعند بداية الانتفاضة كانت كلمة شبيحة تعني الميلشيات الموالية للنظام وفي بعض الأحيان الموالين للحكومة . ثم بدأنا نسمع في المظاهرات الموالية للنظام أتباع النظام يهتفون :‘نحن الشبيحة .اللعنة علي حريتكم ‘ .يوجد الاف من الشبيحة أو اللجان الشعبية في الأحياء العلوية في حمص كما ذكر لي أحد ضباط الأمن . وقال لي أنهم لا يتلقون أموالا علي أعمالهم ولكنهم يتلقون رواتبهم رغم أنهم لا يذهبون الي أعمالهم . هم يتبعون رؤساء المدن المحليين . وقال وهو يذكر اثنين من الأحياء السنية  ‘بامكانهم القبض علي شخص من البيضا أو الخالدية ويسلمهم الي قوات الأمن فهم  ينسقون مع الأمن ’

المهندس الذي انضم الي المعارضة كان أكثر صراحة :  ’الشبيح هو شخص يحب بشار أكثر من بشار نفسه . الشبيح هو ثقافة وليس شخصا . هو يشعر أنه فوق القانون بل هو القانون نفسه . وبامكان الحكومة الان السيطرة عليهم ولكني لا أعلم هل ستتمكن من السيطرة عليهم في المستقبل . الحكومة تستغلهم الان .الحكومة هي من فعلت ذلك . ' . وأضاف أن العلويين الذين ينضمون للمعارضة يعتبرونهم خانوا الطائفة ..بعض العلويين الذين كان لهم نشاط مع المعارضة في حمص مثله قتلوا علي يد المليشيات الموالية في شهر ابريل 2011 في الميادين الرئيسية لحمص واحدي الاعتصامات التي حوت مزيد من العلويين انتهت بمزبحة علي يد قوات الامن واللجان الشعبية .

ماذا سيحل بالعلويين لو سقط النظام .وماذا سيحل بأنصار بشار ككل هما سؤالان مختلفان . فأنصار بشار يحتوون أقليات أخري غير العلويين ناهيك عن السنة أنفسهم . منذ البداية كانت الحكومة تصرح أن المعارضة تحركها الطائفية وأنها امتنعت عن اظهار الطائفية . ويقول الموالون للنظام أنهم متنوعون بينما المعارضة كلهم سنة تقريبا .ومع ذلك هناك ضباط سنة في وحدات الجيش الرئيسية مثل الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري وقد أقر الكثير من المفكرين في المعارضة أنه لو كان المؤيدين للحكومة من العلويين فقط لسقط بشار منذ زمن . ولو تحول هذا الصراع الي صراع بين السنة والعلويين لفقدت الحكومة تأييد السنة ولاكتفت الحكومة بنسبة 10 % من السكان وبعض من تبقي من الأقليات الاخري .

عندما سألت ابو راتب قائد المجلس العسكري في حمص ماذا سيحدث لقوات الامن والشبيحة ومئات الالاف من العلويين المسلحين اذا سقطت الحكومة فقال لي أنني أبالغ في الارقام . وتوقع بوقوع ما أسماه  ‘ مذبحة ‘ ولكنه توقع ظهور بديل لبشار من داخل النظام سيحاول الوصول لتسوية .  ‘ بشار هو الشخصية المركزية بالنسبة لهم وسينهاروا بمجرد سقوط بشار وسيفقدون الدافع . ‘ . وبعد فترة انتقالية صعبة ستولد سوريا من جديد . ‘ سوريا حرة وعادلة وديمقراطية ‘ . وقال لي أحد شخصيات المعارضة القيادية في دوما أنه يشعر بالقلق من الاقتتال بين القري السنية والعلوية مثل قرية العزيزية وتمانه . قال : ‘ لا نستطيع القول أن لنا الحق في العيش هنا وهم ليس لهم الحق . لكن بعد انتهاء الثورة سيعود العلويين الي أماكنهم الطبيعية . لن يتملكوا السلطة . ‘ .

ليس واضحا ما هو هذا ‘ المكان الطبيعي  ‘ .هل يقصد أن يغادروا المدينة ويعودوا الي مناطقهم الريفية التقليدية ؟ هناك جيل جديد من  الكتاب السوريين في الغرب يناقشون بالفعل احتمالية اقامة دولة منفصلة خاصة بالعلويين ولكن لم نسمع من العلويين أنسهم شيئا من هذا القبيل . كانت سوريا منذ زمن طويل بالنسبة لهم مشروعهم المركزي وكان جل همهم ترك قراهم سعيا وراء نوع من الحداثة والتطور . الان أصبح جليا أنه سينتهي بهم المطاف الي شكل من أشكال الجيوب التي تتمتع باستقلال زاتي نتيجة للحرب الأهلية يكون للمعارضة اليد العليا فيها ولكن تلك لم تكن أمانيهم . فهم يعتقدون أنهم يحاربون من أجل مبادئ حزب البعث والقومية العربية . وأي دولة علوية ستقام لن تكون قادرة علي الحياة علي كل حال فالمناطق العلوية القديمة لم  يكن بها الكثير من الخدمات وفرص التوظيف وستعتمد تلك المناطق علي المساعدات من روسيا والصين .ربما يكون الحل اللبناني في سوريا حيث كل منطقة تدعمها قوي خارجية هو النتيجة النهائية لكنه هدف لا يصبو اليه أحد .

http://www.lrb.co.uk/v34/n18/nir-rosen/among-the-alawites