كان الضابط في الجيش السوري يتجول لمدة خمسة شهور يحمل كارت الميموري المحمل عليه صور الاسرة في جيب زيه العسكري ينتظر الفرصة للانشقاق عن الجيش وحين حانت اللحظة في اواخر شهر ديسمبر ذهب العميد محمد حسون الي منزله في حلب لتناول وجبة الغداء وهي الفترة القصيرة الوحيدة أثناء النهار التي عرف حينها أن رجال المخابرات لا يتعقبونه محاولين وقف موجة الانشقاقات التي اجتاحت الجيش السوري .
وفي لقائه معنا حكي حسون أنه رأي عائلته علي عجل وارتدي معطفا قديما ونظارة شمس واستقل حافلة عامة وبعد عشرة أيام عاد لينضم الي زوجته وأبنائه الثلاثة في تركيا وترك خلفه حياة مرفهة ولكنه غير اسف علي تركه المؤسسة التي خدم فيها 31 عاما .
وقال حسون ,49 عاما, وقد بدت هيئته كهيئة رجل أعمال وهو يرتدي بدلته السوداء : “كنت اعتقد أن الجيش أنشئ بغرض محاربة الاعداء وليس استهداف المدنيين . “
ويدل تزايد أعداد المنشقين من كبار ضباط الجيش والمخابرات والشرطة أن الحملة الهمجية التي تقوم بها الحكومة لاخماد الثورة التي مر عليها 22 شهرا بضعت تضعف الروح المعنوية لكبار أعضاء النخبة في المجتمع السوري .
وبالرغم من بقاء بعض الضباط داخل سوريا وقتالهم بجانب ثوار الجيش السوري الحر أقامت الحكومة السورية مخيما منفصلا للضباط المنشقين . ولم تذكر الحكومة اعداد الضباط اللاجئين داخل المخيم أو في منازل خاصة في أنحاء تركيا .
لم يتم السماح للصحفيين بالدخول للمخيم الذي فرضت عليه حراسة مشددة فيصعب تقدير هل الانشقاقات تعكس تنامي الاستياء من مجريات الحرب التي حسب تقديرات الامم المتحدة قتل فيها أكثر من 60 الف سوري أن ادراكا جليا أن الثوار سيدحرون القوات النظامية .
قلة من السوريين يعتقدون أن الحرب ستنتهي في القريب العاجل قبل أن يموت المزيد من السوريين فرغم ما لحق الجيش من ضعف لا يزال يشكل بقوة هائلة بكل المقاييس .
وقال حسون الذي كان يقوم بتدريس الهندسة لحوالي ألف طالب من طلاب الاكاديمية العسكرية في حلب أثناء اللقاء معه في احدي مقاهي أنتاكية : “أعتقد أن الامر سيستغرق اكثر من 6 شهور فجيش النظام قوي ومدرب بشكل جيد وبه طائرات مقاتلة ودبابات . “ .
وقال حسون أنه وهو في طريقه الي تركيا التقي بمقاتلي الجيش السوري الحر مسلحين بأسلحة خفيفة . وقال : “في استطاعة النظام أن يقتل في غارة جوية واحدة أكثر من عديد من هجمات الجيش السوري الحر . “
ورغم أن قرار انشقاق حسون كان قرارا فرديا الا أن هراره هذا وما انطوي عليه من مخاطر ساعد في تفسير سبب امتناع المزيد من الضباط من أن يحزو حزوه .
قال حسون أنه قضي فترة شبابه في الجيش وأنه انضم الي أكاديمية حلب وعمره 18 عاما .
وقال أنه كان يشعر بالتفاؤل في سنة 2000 عندما أصبح الاسد رئيسا فقد كان حسون يحزوه الامل أن يدخل ابن الرئيس السابق حافظ الاسد اصلاحات في المجتمع والجيش .
الثورة السورية زعزعت بقوة ضباط الجيش . كان يتم اطلاق النار علي المحتجين ويتم القاء القبض عليهم وكان أخيه ضمن المقبوض عليهم ولم يتم ابلاغه بالخبر الا بعد فترة طويلة .
وقال حسون : “لم يكن لديهم ثقة في كضابط ولم أعلم بأمر سجنه الا بعد ثلاثة شهور “ .
كان أكبر أبناء حسون الطالب الجامعي قد انضم الي المحتجين . عاد الابن الي المنزل ذات يوم وقميصه ملطخ بالدماء من جراح زميل له من المحتجين وطلب من أمه ألا تخبر أباه وعلم حسون بالأمر عندما وصلت العائلة الي تركيا .
وقال أنه ظل يفكر أن استهداف المدنيين سيتوقف وأنه سيسامح نفسه لأنه كان مشاركا في جيش يلقي بالقنابل علي المدنيين .
ولكن الاوضاع ساءت فقد قام الجيش بالهجوم علي حلب .
قال حسون : “كنت أقف هناك أراقب من بعيد الطائرات تقصف القري ولأنني جندي وضابط في الجيش لم يكن هذا ما تدربنا عليه . “
وخلال السنوات التي قضاها حسون في حلب تعرف حسون علي كثيرين ممن شاركوا في الثورة وقال أنه لم يعتبرهم “ارهابيين “ كما تصفهم الحكومة .
وقال حسون أنه كان يعلم أن قراره في الهروب من سوريا محفوف بالمخاطر وعندما سألناه ماذا كان سيحدث لو تم اكتشاف خطته قام حسون بحركة الذبح وضرب بيده اليمني علي الطاولة بقوة وقال أنه بعد أن انشق بعض ضباط الجيش تم القاء القبض علي أفراد من أعضاء عائلاتهم الممتدة .
وقال : “هذا هو السبب الرئيسي في امتناع المزيد من الضباط عن الانشقاق . “
وقال حسون أنه يسمح للضباط الذهاب لمنازلهم لتناول الغداء ويمكنهم حمل الخبز لأسرهم في مدينة تفتقر الي السلع الاساسية . وهذه هي الفترة الوحيدة في اليوم التي لا يتم مراقبة تحركاته خلالها . واثناء وجوده في المنزل في هذا اليوم من ايام شهر ديسمبر تخفي في هيئة رجل عجوز واطمئن الي رحيل اسرته عن المدينة .
ومع اقتراب عيد ميلاده الخمسين حياة حسون يسودها عدم اليقين فهو لا يعرف هل منزله لا يزال موجود في مكانه أو متي يعود الي سوريا أو ماذا سيكون مصيره لو تم استبدال الحكومة . لكنه يعرف شيئا واحدا : أنه فخور ب ال 31 عاما التي قضاها في الجيش السوري .
وقال : “لم أكن أخدم الحكومة بل كنت أخدم وطني وضميري مرتاح . “ .
http://www.washingtonpost.com/world/middle_east/syrian-defections-suggest-military-morale-being-drained/2013/01/11/3bac819a-5748-11e2-8b9e-dd8773594efc_story_1.html
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق