بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 1 نوفمبر 2012

60 كلم من الحدود المفتوحة: الداخل السوري يلتحق بالتمذهب اللبناني











نزف الأخوة اللبنانية السورية على حدود سايكس بيكو
60 كلم من الحدود المفتوحة: الداخل السوري يلتحق بالتمذهب اللبناني

سعدى علوه
عرسال ـ 18 تشرين الأول 2012:
أم عامر، خمسينية مسؤولة عن مجموعة في الجيش السوري الحر في بلدة جوسيه السورية تصل عرسال عبر الحدود في مشاريع القاع، ومعها بكرها جريحاً إثر معركة سقوط منطقتها بيد الجيش السوري النظامي.
جرماش التاريخ عينه:
ليلى جعفر، بكامل سلاحها «تمترس» في دشمة صخرية في خراج بلدتها، جرماش، سورية الأرض، لبنانية السكان،في نوبة حراسة باشرتها قبل نحو عام من اليوم.
لا يفصل بين ام عامر وليلى، البندقية ووجهتها فقط. يفصل عرسال عن جرماش نحو ستين كيلومتراً من الحدود اللبنانية السورية، وتلاوين سياسية بخلفية مذهبية لم تعد حكراً على الداخل اللبناني، ولم يعد بإمكان السوريين النوم على امجاد الإفلات من زواريبها.
بين ام عامر وليلى نقطة عبور شرعية ورسمية واحدة متمركزة في ما يعرف بالأمانتين اللبنانية والسورية في منطقة القاع، وحدود مفتوحة على «ذمة» المتحكمين بمفاصلها.. مفاصل لا تقتصر على معابر جبلية وسهول مفتوحة وأحراج بكر وطرقات ترابية لا تحصى، بل تستند إلى تاريخ من التهريب، على انواعه، وضع خطوطه العريضة قلم «سايكس - بيكو» التقسيم. تقسيم شطر الأرض والناس، تاركاً نحو ثلاثين الف لبناني في سوريا، ومعهم اقتصاد حدودي متكامل ينمو ويزدهر ويلبي احتياجات مئات العائلات في الظل والتواطؤ، وتلاقي مصالح المهربين والمنتفعين على الضفتين.
وصلت ام عامر إلى عرسال ضمن مجموعة قالت إنها «الأخيرة» التي غادرت جوسيه إثر سقوط شريط القرى «السنية» المترامية في ريف القصير على الحدود مع مشاريع القاع اللبنانية، بوابة العبور إلى البلدة حاضنة الثوار والنازحين السوريين من لون سياسي ومذهبي محدد. الجرحى من المجموعة الهاربة نقلوا إلى مستشفيات الشمال عبر الهرمل، فيما انضم الأطفال والنساء إلى نحو 12 الف نازح سوري في عرسال، وبقي المقاتلون في مخابئ سرية على الحدود.
في اليوم التالي يتحين هؤلاء المقاتلون الفرصة ويحاولون التسلل إلى الداخل السوري، وتتحدث الأخبار عن سقوطهم جميعاً في كمين للجيش السوري النظامي، وتقول ام عامر ان ثلاثين طفلاً «تيتموا» في مساء حزين واحد.
يقول الكاتب غبريل غارسيا مركيز في تمهيده لروايته «عشت لأروي» ان «الحياة ليست ما نعيشه، بل ما نتذكره، وكيف نتذكره، لنرويه».. وتروي ام عامر ما تتذكره، فيما تسرد ليلى ما علق في ذاكرتها منذ اندلاع الأحداث في سوريا. أما اهالي عرسال، ومعهم النازحون من القرى السنية في ريف القصير، من لبنانيين وسوريين، فيتذكرون ما يرغبون بروايته.
وكما رواة عرسال والنزارية والعاطفية وجوسيه وغيرها في سوريا، يفعل اللبنانيون القاطنون في الشريط الشيعي اللبناني. شريط يمتد من قرية المشرفة في حوض نهر العاصي على حدود مشاريع القاع، وصولاً إلى وادي العرايس، بوابة جرماش، الضيعة السورية التي يقطنها، وغيرها من قرى غرب القصير، لبنانيون يقولون انهم حملوا البندقية دفاعاً عن النفس بعدما وجدوا انفسهم عزلاً في مواجهة هجمات مسلحين، لا يعرفونهم «ولا يمتون إلى جيرانهم القدامى بصلة».
وما بين جرماش والمشرفة، يمتد شريط شيعي، قوامه نحو 23 ضيعة وبلدة، تتفاوت في الحجم وعدد السكان، مع «جيوب» مذهبية لم يكن احد يتحدث عنها او يميزها قبلاً. «جيوب» طالما ذابت في النسيج الديموغرافي والاجتماعي وعلاقات حسن الجوار والمصاهرة والقرابة، تماماً كما كان الشيعة من لبنانيين وسوريين يذوبون في محيط سني اكثري. علاقات لم تصمد امام استعار المذهبية وسواترها الترابية القائمة بين القرى وخطوط التماس «الملبننة» و«المعرقنة» بامتياز يعيد التموضع المستجد إلى جذوره.
وخلافاً للرواة من الناس العاديين، تروي القوى السياسية اللبنانية ما تريده، ووفقاً لميولها مستفيدة من ستين كيلومتراً مفتوحة على كل الاحتمالات والتأويلات. يقول بعضهم إن «حزب الله» يقاتل إلى جانب النظام السوري، ويعطي البعض الآخر امثلة حية عن تهريب السلاح، واحتضان المسلحين السوريين واللبنانيين وإعادة ارسالهم إلى الداخل لمقاتلة الجيش السوري النظامي. كل هذا يجري على هامش «سياسة النأي بالنفس» الرسمية، التي تطبق فقط على ما يبدو، على حواجز القوى الأمنية والعسكرية وحدها، وفي حدود مساحاتها المحيطة بنقاطها.. بذلك، يبقى كل ما يقع خارج افقها النظري على ذمة من يتحكم بالأرض من الطرفين.
لم تعد سوريا كما كانت، لم تعد فاطمة اللبنانية، إبنة السكمانية الشيعية والمتزوجة من ابن سقرجة السني، قادرة على زيارة منزل ابيها الذي استهدفه مسلحو سقرجة بقذيفة جعلته غير صالح للسكن. ولن ترى فاطمة، في المستقبل القريب، بنات بلدتها اللواتي كنّ مخطوبات لشبان من سقرجة بلدة زوجها. فسخت الأحداث مشاريع الارتباط بين الطرفين، وحلت بنادق الحقد مكان «محابس» الحب، ونبتت المتاريس على جنبات الحقول، وأقفلت السواتر الترابية الدروب و«القادوميات» التي كانت تحتال على الطرقات الرسمية بين البلدتين.
لم تعد سوريا كما كانت. ولم تعد كما كانت حياة اللبنانيين فيها، ومعهم السوريون على اختلاف مذاهبهم، وربما لن تعود يوماً، خصوصاً إذا ما أقفل الجرح السوري، إن أقفل قريباً، على الطريقة اللبنانية في «تخييط» الجراح.
تكثر الروايات بتعدد الرواة، و«السفير» تجول على ستين كيلومتراً من الحدود الممتدة من عرسال في البقاع الشمالي إلى مشاريع القاع مروراً بالمشرفة وزيتا والعقربية وصولاً إلى اكروم السورية المفتوحة على الحدود الشمالية اللبنانية لناحية جبل اكروم، في محاولة للخروج برواية تحكي ما يعيشه الناس فعلاً.
 
http://www.assafir.com/Article.aspx?EditionId=2295&ChannelId=55106&ArticleId=2994&Author=%D8%B3%D8%B9%D8%AF%D9%89

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق